السعودية وإخوان اليمن


كتب/ عيدروس النقيب
يتساءل الكثيرون من مراقبي الوضع السياسي في اليمن والإقليم عن فحوى موقف الأشقاء في المملكة العربية السعودية من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وفرعهم في اليمن على وجه الخصوص.
فالمملكة تصنف حركة التنظيم الدولي كجماعة إرهابية وهي تتعامل بحذر شديد من البلدان التي تحكمها الحركة، بل وتدعم كل عمل شعبي في أي بلد يتصدى لسياسات الإخوان وحكوماتهم وهذا أمر منطقي ومفهوم، لكن المملكةَ تستضيف قيادات فرع الحركة في اليمن وتتعامل معهم ومع تنظيمهم بكرم وسخاء ربما لم تفعله مع أقرب أصدقائها.
وحتى لا يساء فهم ما نتحدث عنه هنا فإننا أولا نتاول رأي عام واسع على المستويين اليمني والعربي والإقليمي، وثانيا لا نتمنى إلا أن تستثمر هذه العلاقة الحميمية بين الأشقاء في المملكة وحزب الإصلاح (الفرع اليمني للتنظيم الدولي) لما يساهم في هزيمة المشروع الانقلابي المدعوم من إيران، وحل المعضلة اليمنية التي بلغت حداً يصعب تصور تبعاته بعد أن أوشك الشعبان في شمال اليمن وجنوبه أن يدخلا في مجاعة جماعية قد تشمل أكثر من 90 % من السكان وهي حالة قل نظيرها في العالم.
الإخوان في التجمع اليمني للإصلاح ماهرون في تسويق أنفسهم وفقا للبيئة السياسية التي يعيشون فيها، فهم مخبرون لدى نظام صالح وثوار ضده في ساحات التغيير، وهم مع التحالف العربي في الرياض وضد التحالف في إسطنبول والدوحة، وتلك حقيقة جلية لكل ذي عينين وقد رأينا جماعة اسطنبول تتهجم على السعودية وتتهمها بشتى الاتهامات، وهي نفس الاتهامات التي يوجهها الحوثيون للسعودية ودول التحالف مثل مقولة “احتلال وتدمير اليمن” و”الحرص على أن تظل اليمن دولة ضعيفة” تابعة للسعودية ومتسولة لديها وما شابه ذلك، بينما لا تنبس قيادة ألإصلاح المقيمة على الأرض السعودية ببنت شفة إزاء هذه المواقف لأتباعها وناشطيها تجاه حليف يكاد يكون الأكثر دعما للحركة والسلطة التي تهيمن عليها.
من الطبيعي أن لا أحد يحق له أن يطلب من السعودية ماذا عليها أن تفعل وما لا تفعل، بيد أن الكثير من الناشطين السياسيين المحبين والداعمين للتحالف العربي بقيادة السعودية من اليمنيين، ومن الجنوبيين على وجه الخصوص، الذين يهمهم موقف السعودية من قضيتهم ومن مشاركتهم في نصرة عاصفة الحزم وتحقيق النصر الوحيد لصالح العاصفة يتساءلون بدهشة: كيف تخذل الشقيقة السعودية من نصروها وانتصروا لها وتمارس عليهم الضغط لصالح من خذلوها؟ وكيف تدلل هؤلاء الخاذلين المتخاذلين الذين يسلمون الجماعة الحوثية المعسكرات بأسلحتها السعودية والمناطق التي ساهمت السعودية والإمارات في تحريرها؟
الإخوان المسلمون في اليمن يتباهون بقدرتهم على (خداع) دول التحالف العربي واستدراجها في معارك لا علاقة لها بعاصفة الحزم وأهدافها ولا بمواجهة المشروع الإيراني، فهم يتسلمون الدعم المادي والعيني من أموال وأسلحة متوسطة وثقيلة وعتاد وذخيرة من الأشقاء، ويبيعون الجزء الكبير منها للجماعة الحوثية وفقا لمعادلة “القات مقابل السلاح” كما قال الزعيم الحوثي صالح الصماد قبل مقتله ويسلمون الجزء الآخر كغنائم في المعارك التي يخططون للهزيمة فيها أمام الحوثيين، بينما يستخدمون ما تبقى ضد الجنوب والجنوبيين في معارك لا معنى ولا مبرر لها في شبوة وأبين والصبيحة وغيرها، وبذلك يغدو السلاح السعودي وسيلة لقتل الجنوبيين مرتين، مرة من خلال معارك القوات “الشرعية” التي خطفها الإخوان ضد أبناء الجنوب في أبين وشبوة، ومرة من خلال تلك الأسلحة التي يسلمونها للحوثيين فيستخدمها الأخيرون ضد الجنوبيين في الضالع وكرش ويافع ومكيراس وعقبة ثرة وبيحان.
الإخوان اليمنيون يستخدمون سلاح التسريب لدق الأسافين ونشر البلبلة والتشويش النفسي والإعلامي بين التحالف العربي وأنصاره، فمنذ أكثر من عام جرت إعادة تسريب الخبر المتعلق بحاجة السعودية إلى منفذ بحري على بحر العرب، وأن قيادات إصلاحية قد تعهدت لها بذلك وهو ما جعل الشقيقة السعودية تستثني فرع الإخوان في اليمن من قائمة الإرهاب كما يقولون.
وفي هذا السياق يغيب عن المسربين أن السعودية تعلم أن جميع السواحل المقصودة على بحر العرب هي أراضي وسواحل جنوبية وتبعا لذلك فمن يحق له الحديث عن قضية كهذه هو الشعب الجنوبي وليس أي حزب أو تنظيم سياسي منبوذ في اليمن ومعادي للجنوب والجنوبيين، وثانيا إذا كان المقصود بالمنفذ البحري هو أنبوب لتصدير النفط السعودي عبر أحد الموانئ الجنوبية على بحر العرب فإن الأمر لن يكون حالة فريدة في التاريخ، ويعلم الجميع أن النفط العراقي ظل (وربما ما يزال) يصدر عبر ميناء جيهان التركي منذ عقود بموجب اتفاقية ثنائية بين البلدين، كما إن روسيا الدولة الأولى في إنتاج الغاز في العالم، تصدر غازها إلى معظم دول أوروبا الغربية عبر أنبوب يمر باكثر من عشر دول أوروبية حتى يصل إلى فرنسا وإسبانيا والبرتغال على المحيط الأطلسي بموجب اتفاقية ما تزال سارية المفعول وقعت بين الاتحاد السوفييتي (سابقا) وبين تلك الدول وظل هذا الاتفاق محتفظا بفاعليته حتى في أوج الحرب الباردة بين الشرق والغرب ولم يحتَج الأمر إلى دسائس أو مؤامرات أو وقيعة أو حتى حرب تسريبات من تلك التي يتبعها إخوان اليمن.
وبتعبير آخر فإن السعودية تستطيع أن توقع اتفاقية ثنائية ندية مع من يمثل شعب الجنوب صاحب الأرض، ودونما حاجة إلى أية تسريبات أو صفقات سرية من تلك التي تسربها المواقع الإعلامية والدعائية الإخوانية.
لكن ما يعلمه الجميع هو إن مثل هذه الاتفاقية لا يمكن أن تتم إلا في ظل أجواء طبيعية ليس للحرب فيها صوتٌ ولا صدى، وبين شريكين نديين متكافئين وهذا ما لا يعيره المسربون أية أهمية، لأنهم يعلمون أن ما يتحدثون عنه لا شأن لهم به وأن صاحب الشأن هو الشعب الجنوبي صاحب الأرض والأحقية القانونية والتاريخية بهذه الأرض ولا أحدٌ سواه، وهذا ما نثق بأن الأشقاء في المملكة يعرفونه حق المعرفة وأنهم أذكى من أن يورطهم أحد في اتفاقيات ملتبسة تورث لهم متاعب وتداعيات هم في غنى عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى