«أيقونة النضال وعنوان التحدي».. «30 يونيو» يوم استردت مصر هويتها وعادت لأحضان أبنائها وكتبت تاريخًا جديدًا لها

عدن24/ الأهرام المصرية


كانت بمثابة فوهة بركان انفجرت في وجه الإخوان فأعمت بصيرتهم وأعجزت أقدامهم، فلم يعودوا قادرين على فعل شيء سوى التسليم لأمر لم يكن في بالهم يومًا، فذلك الحلم الذي ارتكنوا إليه لنحو ثمانية عقود، أضحى في مهب الريح، أمام ملايين المصريين الذين خرجوا للشوارع رافعين لافتات «ارحل» و «يسقط حكم المرشد».
30 يونيو 2013، لم يكن يومًا فارقًا فقط في تاريخ مصر وحسب، وإنما في تاريخ جماعة عاشت في كنف أيدولوجية بدأتها بنعومة محكمة حتى تكسب تعاطفًا باهتًا وسرعان ما تتغلغل لتحقق أهدافها بالسيطرة على مقاليد الأمور وتعبر عن وجهها القبيح، فتتكشف حقيقتها أمام المصريين الذين كتبوا نهايتها بشكل درامي وبصورة هزت كيانهم واستأصلت شأفتهم.

إستراتيجية التمكين عبر «التقية»

368 يومًا هي عمر حكم جماعة الإخوان، كانت كفيلة بهدم تطلعاتهم التوسعية وأهدافهم التخريبية ونواياهم السيئة في حب التملك ومحاولاتهم المستميتة في تأسيس خلافة مزعومة، ليس إعلاء لكلمة الإسلام كما كانوا يرددون على مسامعنا وإنما تأسيسًا للسيطرة على مقاليد الحكم والاستئثار به لأنفسهم وإلغاء كافة السبل الديمقراطية المتبعة في تسليم وتسلم الحكم، فرددوا وأعلنوا أن انتخابات 2012 ستكون آخر انتخابات رئاسية في مصر تمهيدًا لإقامة دولة دينية لاهوتية واختيار الحاكم فيها لا يخضع للمعايير القائمة وإنما معايير أخرى أبرزها الشورى دون انتخابات أو استفتاء للشعب.

في أعقاب ثورة الـ25 من يناير لعام 2011، بدأت محاولات جماعة الإخوان في لعبة الخداع التي كشفت زيفهم وكذبهم من منطلق «التقية»، فانقلبوا على مباديء الثورة التي كانت تدعي تغيير الواقع الاجتماعي وتاسيسًا لحياة كريمة يطمح المصريون للوصول إليها، لكن الجماعة استطاعت صياغة تلك الأهداف على طريقتها، ذلك لأن تلك الأهداف ستخدم على طموحها في السيطرة، فأضحت أهداف الثورة من اقتصادية واجتماعية إلى سياسية ودينية بامتياز وذلك ضمن إستراتيجية التمكين التي كانوا يسعون إليها.

لكن ثمة مشاهد أخرى أثبتت زيف الجماعة أمام الرأي العام المصري، لاسيما في تلك التصريحات التي صدرت وقتها وفي بيانات رسمية بعدم رغبة الجماعة في الدفع بممثل عنها في انتخابات الرئاسة، لكن انتخابات مجلس الشعب التي أجريت في أعقاب تلك التصريحات واستطاعوا خلالها استخدام كل السبل للتمكين، أكدت، بما لا يدع مجالا لأي شك، أن تلك الجماعة لا تريد أن تعيش في كنف دولة أو أنهم قادرون على إدارتها، وإنما حكم الدولة بالمزاجية الغالبة على أعضائها واستخدام الدين وتطويعه لخدمة أغراضهم، فبدأت محاولات سلق القوانين وتطويعها هي الأخرى للتضييق على كل من يفكر أن يقف في وجهها يومًا.

هنا قال مرشدهم محمد بديع إن الجماعة اقتربت من تحقيق حلم مؤسسها الأول الشيخ حسن البنا، الذي يتمثل في تأسيس الخلافة الإسلامية من جديد، فظهرت بادرة الدفع بمرشحهم في انتخابات الرئاسة ما أظهر الوجه القبيح في محاولات الاستئثار بكل شيء، حتى أضحوا في صدارة المشهد وفي سدة الحكم، وما أعقب ذلك كان مقدمة لبداية النهاية لهم ولحكمهم.

صدام وشيك

وبدأت مسيرة الصدام بين الجماعة ورئيسها من جانب، ومؤسسات الدولة التي يريدون إدارتها ليس وفقًا لقواعد قانونية ودستورية وإنما لمنهجية قائمة على التغلغل الفتاك، والشعب المصري، من جانب آخر، وصدروا وقتها مفاهيم أخرى عبر ترديد الشرعية الثورية، فبدأو بالتنكيل من كل من يروا أنه سيمثل عقبة في طريقهم، وبأسلوب القوة الذي حاولوا فرضه كان رئيسهم حين يتخذ قرارًا يحاولون إبراز دعمه عبر مصطلحات أطلقوا عليها «مليونيات الجمعة»، لكن الأمر لم يسر كما كانوا يطمحون ولم تأت الريح بما تشتهي السفن، لكن الريح جاءت في يوم عاصف لتكون مقدمة لعصفهم واجتثاثهم، ليحين موعد سيمثل ضربة قاصمة للجماعة وحاكميها من المرشد وأتباعه ورئيسهم المزعوم، ذلك اليوم 21 نوفمبر 2012، الذي خرج به علينا رئيسهم بإعلان دستوري مجحف، حاول خلاله جمع كل السلطات في يده واستئثارا بكل شيء، واقفًا في وجه الدولة ومؤسساتها ظانًا منه أن المصريين سيقولون سمعًا وطاعة كما تسمع أذنه داخل جماعته، فلا طعن على قراراته ولا قدرة على الوقوف في وجهه، هكذا حاول تصدير الصورة، لكن المشهد من هنا تغير.. فماذا حدث؟.

بالتزامن مع الإعلان الدستوري، حاولت جماعة الإخوان بدأت عمليات سلق الدستور وتغيير مواده وفق أهوائهم ومحاولة تمرير تلك المواد وتعديلها عبر مجلسهم بأسرع صورة ممكنة، تمهيدًا للاستفتاء عليه من قبل المصريين، وبالرغم من كافة الاعتراضات التي شابت ذلك الاتجاه إلا أنهم ساروا في طريقهم، فلا انسحاب كافة النقابات المهنية من تلك التعديلات أردعتهم ولا رفض أعضاء الجمعية التأسيسية أعادهم إلى صوابهم، وسار الأمر كما كانوا يريدون، لكن عزوف المصريين عن الاستفتاء على ذلك الدستور المسلوق كان أكبر رد على تلك المحاولات.

الغضب يشتد

هنا بدأت وتيرة الغضب لدى المصريين تشتد، لاسيما مع تزامن ذلك بفشل الجماعة في توفير سبل الحياة الكريمة للمصريين، وبرز ذلك في مشاهد الطوابير التي امتدت لعدة كيلو مترات أمام محطات البنزين، واستمرار قطع الكهرباء بالأيام، وفشلهم حتى في توفير رغيف العيش للمصريين، كل تلك المقدمات عززت الغضب داخل المصريين وبدأت الحركة الشبابية «تمرد» تتحرك في كل حدب وصوب، ووقع المصريون استمارات بالملايين، معبرين عن غضبهم الجام تجاه تلك الممارسات الدنيئة، وتجلت معالم الغضب في الدعوة إلى تظاهرات احتجاجية في الميادين والشوارع تعبيرًا عن الرفض التام لتلك الجماعة ورئيسها.. وقد كان.

30 يونيو أيقونة نضال

حشود من المصريين، الملايين من أبناء مصر خرجوا إلى الشوارع والميادين العامة، رافضين العودة إلى منازلهم حتى تتحقق مطالبهم الذين عبروا عنها عبر لافتات رفعوها تشر إلى رفض هذا الحكم ولابد من رحيله مهما كلف الأمر، واشتدت راية العصيان ضد الجماعة ورئيسها، إلا أنهم لم يتعلموا الدرس بعد، فراحوا يجمعون عناصرهم للاحتشاد في ميادين موازية، تعبيرًا عن محاولاتهم فرض الأمر بنظام القوة، لكن وفي ضوء هذا المشهد كان للقوات المسلحة وقائدها دورًا ملفتًا وعظيمًا سيسجله التاريخ بحروف من نور، في الاستجابة لمطالب المصريين حاملين أرواحهم على أكفهم، بعد استنفاد كافة السبل مع الجماعة وعناصرها.. وهنا هبت رياح التغيير حتى حل الصباح بعد ليال مظلمة استمرت لنحو 368 يومًا وتدخل مصر في عصر جديد مع كثير من التحديات.

وبالرغم من محاولات الجماعة وعناصرها تكدير الرأي العام عبر إرهابهم ومحاولاتهم التي باءت بالفشل في كسر شوكة الدولة إلا أن المصريين اصطفوا خلف رجل واحد وتحملوا الصعاب في السبيل لتحقيق التغيير، فأضحت مصر التي كانت تعاني من قطع الكهرباء بالأيام علامة بارزة في تصدير الكهرباء وتوفير نحو 25 ألف ميجا وات وتسعى لأن تكون محورًا إقليميًا للطاقة، ونجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد اكتشافات مذهلة ومساعي القيادة السياسية لتحقيق التميز في كل المجالات.

عودة مصر الرائدة

لم تكن 30 يونيو مجرد تاريخ عادي، إنما تحول إلى أيقونة نضال وتحدٍ، وعلامة فارقة في تاريخها، فما أعقب ذلك التاريخ ونحن في الذكرى الثامنة له، يدعو للدهشة، بأن تحولت مصر إلى تجربة تستحق الدراسة لدى كثير من دول العالم، فلم يكن ما أعقب الثورة تخريب وتدهور بقدر ما كان منجزًا ومعجزًا، وباتت مصر بعد سبع سنوات من حكم الرئيس السيسي وثمان سنوات من ثورة يونيو يشار إليها بالبنان، فلقد عادت إلى ريادتها في المنطقة وباتت من أكثر الدول تأثيرًا في الكثير من الملفات وفاعلًا في أغلب المجالات.

عادت للمصريين بعد 30 يونيو هويتهم التي حاولت الجماعة اختطافها وسلبها من مضمونها وطمس تلك الهوية بما يتراءى لها ولعناصرها، ونجحت بأن تفشل مخططات الأعداء وتتجاوز الصعاب وتضحى في المقدمة، فأصبحت أيقونة في توفير حياة كريمة لأبنائها عبر مبادرات رئاسية مكثفة، من “تكافل وكرامة” و “حياة كريمة” و “100 مليون صحة” و “تطوير القرى المصرية ” وغيرها من عشرات المبادرات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك برامج الحماية الاجتماعية.. إلخ.. لتعود مصر كما كانت تستحق وليعيش المصريون كما يستحقون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى