التحرّر من الجداول الزمنية تكتيك غريفيث للتهرب من الفشل

أسلوب يطيل أمد الصراع في اليمن ويخدم أجندة الحوثيين المعنيين بربح الوقت واللعب على المتغيرات.

عدن24 / العرب اللندنية

كشفت العودة المفاجئة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى العاصمة اليمنية صنعاء ولقاؤه بزعيم الجماعة الحوثية قبل توجهه إلى الحديدة للتخفيف من حدة التوترات، عن إصرار أممي ودولي على المضي قدما في المسار السياسي فيما يتعلق بالأزمة اليمنية وتحويل اتفاقات السويد إلى حجر زاوية في خطة التسوية السياسية الشاملة التي يتم العمل على إنضاجها.

وسعى غريفيث أثناء زيارته إلى الحديدة ولقائه بالقيادات الحوثية وممثلي الجماعة في لجنة تنسيق إعادة الانتشار إلى الاقتراب من التعقيدات على الأرض التي أفشلت مساعي كبير المراقبين الدوليين باتريك كاميرت لتنفيذ خطته المضبوطة بمواعيد زمنية لإعادة الانتشار في الحديدة وموانئها والتي اصطدمت بتعنّت حوثي كبير وصل إلى درجة استهداف موكب كاميرت نفسه من قبل الميليشيات الحوثية.

ولم تفلح زيارة غريفيث إلى الحديدة في إقناع الحوثيين بفتح ممرات خاصة بوصول المساعدات الإنسانية، بالرغم من الوعود التي تلقاها من زعيم الحوثيين، إذ تم إطلاق النار مجددا على موكب أممي رافق فريقا هندسيا حاول نزع الألغام في الطريق الرابط بين صنعاء والحديدة والمؤدي إلى كيلو 16 ومطاحن البحر الأحمر.

وقالت مصادر دبلوماسية لـ“العرب” إن المبعوث الأممي إلى اليمن يحاول إقناع الفرقاء اليمنيين لنقل مهام لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة إلى خارج اليمن، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة إفراغ لعمل اللجنة من محتواه، وفتح المجال أمام جولات طويلة وعقيمة من النقاشات دون تنفيذها على الأرض.

وأكدت تصريحات أدلى بها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث جانبا من أوجه الخلاف الذي أطاح بكبير المراقبين الدوليين في الحديدة ودفعه إلى تقديم استقالته واستعداده لمغادرة اليمن خلال الأيام القليلة القادمة، بعد الإعلان رسميا عن اختيار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للضابط الدنماركي المتقاعد الجنرال مايكل لوليسغارد، خليفة لكاميرت الذي لم يمض سوى شهر واحد على تعيينه.

واعترف غريفيث بعدم واقعية الجدول الزمني وعدم القدرة على تطبيقه على الأرض في الحديدة، في الوقت الذي كان يبدي فيه كاميرت حرصا على الالتزام بالتنفيذ وفقا للبرنامج الزمني الذي أقّرته اتفاقات السويد وقرار مجلس الأمن 2425، قائلا إنّ “الجداول الزمنية المبدئية كانت طموحة نوعا ما”، ومضيفا “نتعامل مع وضع معقد على الأرض”.

ويلمس متابعون للشأن اليمني في كلام غريفيث توجّها نحو التحرّر من ضغط الجداول الزمنية وتمييعها، للانطلاق بحرّية في عملية سلمية متحرّرة من الالتزام بمواعيد مضبوطة، ما سيعني إطالة أمد النزاع، وهو ما يخدم بشكل مباشر أجندة المتمرّدين الحوثيين المعنيين بربح الوقت واللعب على المتغيّرات.

واصطدمت مهنية كاميرت غير المتأثرة بالعوامل السياسية بليونة غريفيث ورهاناته المتعددة التي ليس من بينها إجبار الحوثيين على تنفيذ الاتفاقات بقدر الرهان على التحولات والصفقات الدولية والإقليمية التي يمكن أن تفضي إلى قبول جميع الفرقاء اليمنيين بسياسة الأمر الواقع.

ويخشى مراقبون يمنيون أن تتطابق توجهات رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجديد مايكل لوليسغارد مع أجندة غريفيث، بالنظر لسيرة الضابط الدنماركي الذي سبق له العمل في العراق في ظل تجاذبات وأجندات إقليمية ودولية وخلفيات طائفية للصراع، يبدو أن المجتمع الدولي يسعى لتكرارها في اليمن.

وفي تصريح لـ“العرب” أشار الصحافي والباحث السياسي اليمني سياف الغرباني إلى أن المبعوث الأممي، تمكن من امتصاص صدمة الحديدة، نيابة عن جماعة الحوثي، عبر اتفاق وقف إطلاق النار المنبثق عن الاتفاق العام في السويد، مشيرا إلى أن تحركاته الآن تشي بأنه لا يعمل على تنفيذ اتفاق ستوكهولم بل على إعادة الاتفاق الناجز إلى مربع التفاوض.

وعن مؤشرات هذا التوجه الجديد للمبعوث الأممي إلى اليمن قال الغرباني “باشر غريفيث خطوات عملية في هذا الاتجاه، بدءا من تمديد الجداول الزمنية للتنفيذ خلافا لنص الاتفاق، وصولا إلى إزاحة رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال الهولندي باتريك كاميرت. على أن خطوتي تمديد الجداول الزمنية وتغيير رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، لا تخرجان عن سياق خطة إبقاء الوضع في الحديدة يراوح في دائرة اللاّحرب واللاسلام، وأيضا إعطاء الحوثي مساحة أوسع للتحرك والمناورة.

وتسببت تسريبات إعلامية عن استقالة كاميرت نتيجة الخلاف غير المعلن بينه وبين الحوثيين والمبعوث الأممي في إرباك المشهد اليمني وتلويح الحكومة اليمنية بانهيار اتفاق السويد، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة على لسان بعض متحدثيها، إلى إنكار واقعة الاستقالة والتأكيد على بقاء كاميرت في منصبه.

وأكدت مصادر دبلوماسية لـ“العرب” أن الأمين العام للأمم المتحدة سعى لإنقاذ موقف مبعوثه الخاص إلى اليمن من خلال الإيعاز لكاميرت بالعودة واستئناف عمله حتى تعيين بديل له، وتطمين الحكومة اليمنية بأن اتفاق السويد سينفذ بحذافيره. ومن هنا كانت مفاجأة عودة كاميرت صحبة غريفيث بعد أن بدا أنه بصدد المغادرة النهائية.

وفي محاولة لتلطيف الأجواء السياسية المشوبة بالتوتر في المشهد اليمني، وتصاعد المؤشرات على انهيار هدنة الحديدة، عملت الأمم المتحدة عبر مبعوثها في اليمن على إقناع الحوثيين بإرسال رسالة إيجابية للرياض تمثلت في إطلاق سراح أسير سعودي في إطار ما اعتبرته الأمم المتحدة الالتزام باتفاقات السويد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى