“فلتر خيني” شمة السرطان ..الموت القادم من باكستان

عدن 24 / دعاء نبيل

مدمنو المخدرات “يستنجدون “شمة” في مستنقع الكيف بعيونهم الحمراء وأبدانهم الهزيلة”، ليس من الصعب التعرف عليهم, فبصمتهم واضحة مميزة, وملامح أجسادهم لا تخفى على أحد عيون مشجرة باحمرار غائرة في كهوف وجوههم مهالة بسواد مزعج يشوبها نعاس غير حقيقي . اذ تكاد تطبق إلا قليلا, وفي الوجه عتمة ليست مألوفة وهزال بالجسد يوحي بالأرق.
متعاطون لم يصلوا حد الإدمان القاتل بعد ومدمنون غالبا ما فاتهم قطار النجاة, ورؤوس شياطين لتجار ليسوا ببسطاء ولا أغبياء ليورطوا أجسامهم وصحتهم في سم لا يقدم من شيء .
عدن٢٤ جلست معهم وحادثتهم حول بدايات دخولهم عالم ” الحوت” حتى النهاية التي وصولوا اليها وتعرفت على أسباب وصولهم في هذا المستنقع الموحش الذي غالبا ما يخرج منه صاحبة منبوذا, إن خرج لتلمس به ندما عميقا محفورا بكل أقصوصة قصوها هنا..

عيناه الداكنتان ترسمان تعاسة أعمق من الحفر
(أ‌- خ ـ أ) الذي يبلغ من العمر ٢8 عاما, شاب أشبه بالمرضى , تنبعث منه احلاما لا حصر لها، عيناه الداكنتان ترسمان تعاسة اعمق من الحفر’’ كان يضرب اخماسا بأسداس (يقلب يداه) سارحا في أفق بعيد وكأنه في واقع آخر.
عاش طيلة حياته بين الدراسة والاغتراب عازب ولدية من الإخوة الصغار ليكافح من أجلهم.. تحدث عن قصته بامتعاض وتأفف وكأنه يقول (أوجزي لا تكثري من الأسئلة فلست في حال رائق).
بكلمات مسحوبة قال ” كانت رحلتي مع “الحوت” والتي طالت خمس سنوات رحلة كانت مليئة بـ”الكيف ” كان كل همي كيف أتحصل عليها “التخديرة” وحين لا أجد او امضغها لا أشعر بأنني طبيعي وكأن شيئا ما ينقصني ..
في فترة من الفترات ارتفع سعرها وبالتالي انعدم وكنا نأخذه بسعر مرتفع جدا ما يهم المبالغ ولا المسافات التي نقطعها للحصول عليها ولا حتى المخاطر بقدر ما يهمنا “التخديرة” التي سترافقنا طيلة أيام .. قبل الحرب لم يكن أحد يبيعه حتى أتت الحرب واتى معها كل الخراب وأصبح الكل يبيعه سواء بالبسطات او المحلات او محلات التمبل.. اما من قبل فقد كانت محلات متخصصة وفي الخفاء تبيعه.
ويصف “الحوت” بأنه مادة مخدرة ذاهبة للوعي تحمل رائحة مثل رائحة فوفل “شمس” والبعض الآخر منها يحمل رائحة كريهة جدا بمجرد فتح القرطاس تطلع رائحة مزعجة تقشعر لها البدن.
المتعاطون لشمة ” الحوت” ليسوا فقط من الشباب “الذكور” ولكن هناك أعداد كبيرة من الفتيات المتعاطيات لشمة “الحوت” في الحفلات والمناسبات وحتى في بعض المدارس .

ومن أعراضها:
عدم القدرة على المشي لمسافات او الركض لأنها تصيبك بـ(الزحف) والكسل وعدم القدرة على المشي لمسافات طويلة ألم في المفاصل ويصاحبه صداع شديد
وتسبب “سرطان اللثة – سرطان المعدة والأمعاء – تهيج جرثومة المعدة والقولون – ضعف في الإنجاب”.

لم أكن أعلم بأنني سأفتح النار على حياتي
(س ـ م – أ) تلك شاحبة الوجه تنظر لي باستغراب وخوف، لم أفهم هل ذلك أم كانت شاردة؟ تتلفت في أرجاء الغرفة وكأن احدا معنا, تقلب حقيبتها يمينا وشمالاـ تصدر صوتا متأففا، وتنظر لجوالها باستعجال.. كان الوضع مربكا بالنسبة لي,, حاولت أن اطمئنها بقدر المستطاع ,ولكن أصدرت صوتا مجحفا وقالت : ليش تشتيني أتكلم؟ عاودت حديثي معها قائلة” أنا لا اغصبك على الحديث ولك الحرية سواء بالتحدث أو الامتناع ,, ردت “خلاص بتكلم “!
تتنهد وبيدها “قلم” علمت حينها بأنها متوترة وخائفة من طريقة إمساكها القلم تقول “ذات مرة كنت في حفلة زواج (عرس) لإحدى صديقاتي ووقتها كان عددنا ست من “الفتيات” في وقتها كنت ابحث عن فوفل “حاتم” فناولتني إحدى صديقاتي قرطاسا لونه “أخضر” !! نظرت إليه وقلت لها هل هذا فوفل جديد؟؟ لم ترد علي فكانت حينها منشغلة تتحدث بالجوال,, تنظر الي لتأشر بيدها انتظري !! قمت بفتحة لاتذوق طعمة وخاصة أنني اول مرة اتذوقه.. على الرغم من انني كنت بقاعة عرس وازعاج ,, لقد كنت اشعر بهدوء تام وفرح وشعور لم أجربه قط.
وتواصل قصتها “لم أكن اعلم بأنني سأفتح النار على حياتي.. نعم لقد فتحت النار على نفسي وأسرتي. فأنا الآن لا اتعاطى فقط بل اقوم ببيعها على صديقاتي والبعض من الفتيات اللواتي لا أعرفهن من حفلات الأعراس.
أهلي ليسوا مهتمين بي ولا يشعرون بما أعمله وتوجد الكثير من الفتيات اللواتي يتعاطين شمة” الحوت” خاصة أنهن بين أوساط الثانوية والأعراس.

منافذ الدولة مفتوحة والقوانين معطلة والأمن ضعيف
“مركز عدن للتوعية من خطر المخدرات” حاول ولا يزال يحاول من خلال أنشطته غرس ثقافة التوعية بخطر المخدرات في جذور المجتمع، الذي لا يولي هذه الظاهرة بحجمها الحقيقي الاهتمام الذي تستحقه وما انتشارها الكبير بين أوساط الأولاد والفتيات بهذا الشكل إلا بسبب الإهمال وعدم الاهتمام وقلة الوعي.
تقول رئيسة مركز “عدن للتوعية من خطر المخدرات ـ سعاد علوي ” تلعب الدولة دورا رئيسيا في انتشار ظاهرة تعاطي “الحوت” لإهمالها مصلحة المجتمع وعدم اتخاذ اي خطوت عملية حقيقية تجاه ظاهرة المخدرات المنتشرة على طول البلاد وعرضها حتى المناطق التي تعتبر بعيدة عن كل ذلك أصبحت هي الأخرى موبوءة بهذا الداء .
واضافت “نشر الوعي بخطورة المخدرات يحتاج إلى مؤسسة اعلامية ضخمة يصاحبها تفعيل لقوانين صارمة او تعديل في المواد الضعيفة من القانون الساري وتعاون كافة الجهات معا يدا بيد لاستئصال هذه الآفة : وزارة التربية والتعليم ووزارة الأوقاف ووزارة العدل والأمن والإعلام والثقافة والمجتمع الدولي .
وأشارت إلى أن ” منافذ الدولة مفتوحة والقوانين معطلة والأمن ضعيف فيما يخص محاربة المخدرات ومن يدخلون هذه المواد فوق مستوى القانون كما تعلمون بالإضافة إلى أن كثيراً من هذه المواد لا تعتبر ممنوعة بموجب القانون اليمني السائد وبالتالي تجارتها مسموحة وبتصاريح رسمية من الدولة .
وهناك الكثير من الحلول والمقترحات التي من الممكن أن تعمل عليها الدولة لمنع دخول الحبوب “المخدرات” بكافة أشكالها ومنها:
1- توفير الإمكانيات اللازمة من مختبرات وأسلحة.
2- تأهيل كوادر المكافحة, ثم تعديل القانون المعمول به حاليا .
3- تفعيل قانون المخدرات المجمد.
4- إنشاء مراكز لعلاج مرضى الإدمان على المخدرات.
وأكدت “سعاد علوي أنه” توجد نسبة كبيرة جدا من المدمنين خصوصا بين المراهقين والأطفال من الجنسين رغم أنه لا توجد إحصائيات محددة, ولكن تم التوصل إلى ذلك من خلال الرصد للظاهرة من قبل مركز “عدن” للتوعية من خطر المخدرات” في الميدان وملاحظة انتشار محلات تقوم ببيعها خصوصا حول أرجاء المدارس والكليات والجامعات وحتى في الحواري والأسواق والأزقة”.
وأضافت أن “هناك اعترافات من قبل بائعيها “المخدرات” على كافة أشكالها أن الطلب عليها يزداد بشكل كبير وعلى مدى (٢٤) ساعة يوميا, وأن من يبتاعونها هم من الأطفال وطلاب وطالبات المدارس وهذا ينذر بالخطر الحتمي الكبير” .
وقالت” إلى الآن لم يبلغ عن حالة وفاة بسبب شمة “الحوت” والأنواع المشابهة لها, لكن هذه المواد تتركب من مواد مسرطنة كما هو مكتوب في ظاهر أغلفتها ونتوقع ازدياد حالات الإصابات بالأمراض السرطانية خلال الفترة القادمة نتيجة لهذا الانتشار في تعاطيها.”
وتختتم حديثها بقولها “نحن الآن في حالة حرب ومنافذ الدولة مفتوحة على مصراعيها تستخدم فيها كافة الأسلحة وهذه واحدة من الأسلحة المستخدمة ضد مجتمعنا وبالإضافة إلى سهولة إدخالها أن القانون لا ينص على منعها . وبالتالي عديمو الضمائر وجدوا الأرض خصبة لممارسة تجارتهم القذرة دون رادع”.

وبدورها تقول وكيلة مدرسة سيف بن ذي يزن أمينة علي حزام” مع الأسف الشديد نجد أن هناك العديد من المدارس التي يباع في مقاصفها شمة “الحوت” للطلاب وهذا الأمر يحصل على مرأى الجميع ولكن للأسف لم نجد أي تحرك جاد من قبل وزارة التربية والتعليم, ولا حتى من إدارة الأمن او الجهات الحكومية المسؤولة عن الأمر لمنع دخولها للمدارس وتوزيعها بين الطلاب .
وأضافت “نحن كإدارة مدرسية نقوم بكل الطرق والوسائل بمنع دخول هذه المواد للمدرسة لما لها من أضرار على الطلاب والتي بدورها تهدد صحتهم ومستقبلهم.
وأكدت أن المخدرات أصبحت “آفة للشباب والفتيات ولكل الفئات ولها عدد من الأنواع والأشكال وهناك من يبيعها بالصيدليات وفي أماكن محددة ولها تجار وأشخاص كثيرون يقومون على ترويجها”.
وشددت بدورها على “أن مستقبل اطفالنا وشبابنا أمانة في أعناقنا وعلى كل الجهات التكاثف من أجل القضاء على ظاهرة المخدرات وعلى دخول شمة “الحوت” للمدارس وتطهير العاصمة عدن منها ونتمنى ان يكون العمل الجاد من قبل الحكومة بأقرب وقت .”
وقال أحد أئمة مساجد بمديرية المنصورة ” ان دور المساجد ضعيف تماما من حيث التوعية المجتمعية للشباب الذي يعتبرون عماد المستقبل ونجاح الدول يكون بهم وبمشاركاتهم المجتمعية, ولكن الدولة لا تعي بأهمية دورهم وآخر مثال شبابنا الذي حاربوا وقدموا أرواحهم فداء للجنوب.. ماذا جازتهم الدولة غير “المخدرات” ودخولها بأبسط الطرق وامام الجميع .
حتى خطباء المساجد أصبحت خطبهم سياسية وتناسوا دورهم في التوعية والتحذير من هذه المخاطر التي تستهدف شبابنا ونساءنا وأطفالنا , وبالتالي يعود الدور الأكبر على الدولة .
وشدد من جانبه “على دور الإعلام الفاعل في حملات التوعية من خطر المخدرات وإدمانها وكذلك دور منظمات المجتمع المدني بالعاصمة عدن والتي تعتبر هي أيضا المسؤول وحلقة الوصل بين المواطن والحكومة .. ويضيف “الجنوب لم يكن يعرف هذا الموت “شمة الحوت” ولكن هذا تدمير ممنهج ومخطط لتدمير الجنوب وما نشاهده في التعليم خير مثال لتدمير الوطن يبدأ من عماد المستقبل وهم الشباب.

وكانت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس قد حذرت قبل عامين من انتشار منتج تبغ حوت “      في الأسواق اليمنية لأنه يحتوي على مواد مسرطنة تؤدي الى أمراض السرطان، وقامت الهيئة اليمنية للمواصفات بتوجيه تحذير وعدة رسائل للجهات المختصة لسحب المنتج من الأسواق وإتلافها.

الشمة الهندية (HOT):
“الشمة الهندية ” عبارة عن حبات مغلَّفة من الشمة المعجونة بما لانعلم ولايعلمه متعاطوها أنفسهم وسائقو “المقطورات” الأكثر استهلاكا لهذا المسحوق الهندي الذي يشعرهم بالنشوة والسعادة من وجهة نظرهم .
أراد مُسوِّقُوها تقديمها للشباب بشكل جذاب وحديث يراعي كافة الأذواق ، إلى جانب سهولة استخدامها وإخفائها عن الأهل.
ويعد منتج “الحوت” المعروف بما يسمى تبغ حوت “فلتر خيني” الشمة الهندية (HOT) مادة مخدرة وخطرة على الصحة ومسرطناً قاتلاً يؤثر على الجهاز العصبي ويميت الخلايا ويتسبب بالهذيان.
الجدير بالذكر أن الأسواق المحلية والصيدليات امتلأت بمواد مهربة وغير صحية لا تخضع للرقابة على المواد المستوردة التي تستهدف بشكل خاص الشباب اليمني وتفتقر لأبسط معايير الجودة في ظل تقاعس وغياب السلطات.
وكانت مصادر طبية محلية قد حذرت من خطورة “شمة الحوت” المنتشرة في الأسواق والتي يتناولها الكثير من الشباب والأطفال متجاهلين عواقبها الوخيمة على حياتهم الصحية والنفسية.
تجدر الإشارة إلى أن الأسواق اليمنية باتت تعج بمئات الأصناف من المواد المستوردة التي تستهدف حياة الشباب لاسيما في الوقت الراهن في ظل غياب الرقابة على الواردات.

 

—-

هذه المادة نشرت في صحيفة عدن 24 المطبوعة العدد62 بتاريخ 28 يناير2019 الصفحة 7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى