لماذا علّق المجلس الانتقالي الجنوبي مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض؟

عدن24 | حامد فتحي – حفريات

لمدة ستّة أعوام حاول التحالف العربي اتباع سياسة الاختيار بين أقلّ الضرَّرين في اليمن؛ حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين، والحوثيون، الميليشيا الموالية لإيران، لكن دون جدوى، وأثبتت الأعوام الستّة الماضية؛ أنّ الطرفَين متساويان في الضرر، والفارق بينهما هو تأجيل الإصلاح للكشف عن وجهه الحقيقي، في عداء التحالف، بشكل رسمي، وإن كانت قياداته تجاهر بذلك منذ ما قبل انقلاب الحوثي، عام 2014.

وتسبّبت أطماع الإصلاح في إقامة دولة يهمين عليها الإخوان المسلمون في جنوب اليمن، في انتفاضة الجنوب اليمني في وجه المخططات الإخوانية، التي تتخذ من الشرعية غطاءً لإخفاء أطماعها، وتدخلت السعودية والإمارات لفضّ النزاع بين الطرفين، وجرى توقيع اتفاق الرياض، عام 2019، لكنّ إدراك الإصلاح أنّه لا مصلحة له في قتال الحوثيين، ورغبتهم في السيطرة على الجنوب، عطلت الاتفاق، حتى جرى استئناف مشاورات تنفيذه، في تموز (يوليو) الماضي، وأعقبه إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حلّ الإدارة الذاتية، في سبيل التوصل لتسوية سياسية تنقذ اليمن من المخططات الحوثية-الإيرانية.

لكن عاود الإصلاح مساعيه للهيمنة على الجنوب، متخلياً عن قتال الحوثي، وزاد في إمعانه في إفقار الجنوب، وخرق وقف إطلاق النار في أبين وتعز، ممّا حدا بالانتقالي الجنوبي إلى إعلان تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض، الثلاثاء 25 آب (أغسطس).

الإصلاح: قتال الانتقالي لا الحوثي

عرّى بيان الانتقالي بشأن تعليق مشاركته في مشاورات اتفاق الرياض، جرائم الإصلاح، وضربه عرض الحائط بالاتفاق الذي رعته المملكة، الشهر الماضي، باستمرار هجومه العسكري على مواقع الانتقالي الجنوبي.

ووثّق الانتقالي الجنوبي 350 خرقاً لوقف إطلاق النار، من قبل القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية، في إشارة إلى الإصلاح، في محافظة أبين، وقد أسفرت الخروقات عن سقوط أكثر من 75 من القوات الجنوبية، بين قتيل وجريح، منذ إعلان وقف إطلاق النار، في 22 حزيران (يونيو) الماضي.

كما رصد الانتقالي استعانة الإصلاح بعناصر من تنظيم القاعدة وداعش، ضمن التحشيدات العسكرية في محافظة أبين.

وتعليقاً على قرار الانتقالي، يقول المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، نزار هيثم: “جوهر الأمر أنّ منظومة الإخوان المسلمين بدأت تعمل ضدّ اتفاق الرياض بمعزل عن الشرعية، وحرفت مسار المواجهات، وبدلاً من مواجهة الحوثيين الانقلابيين، أصبحت توجّه أسلحتها معهم ضدّ الجنوبيين”.

وأشار نزار هيثم، في تصريحه لـ “حفريات”، إلى أنّ المجلس الانتقالي لم يلجأ إلى تعليق مشاركته في المشاورات إلا بعد استنفاد كلّ الوسائل لتقويم سلوك حزب الإصلاح الإخواني، لكنّ المجلس لم يتلقَّ رداً حول ذلك.

ويتابع بقوله: “ذكرنا في بياننا الأسباب التي أدّت إلى قرار التعليق، وهي تتضمّن خرق وقف إطلاق النار، والاستعانة بالإرهابيين ضدّ أبناء الجنوب، والحرب الاقتصادية على العسكريين والمدنيين من أبناء الجنوب، وجاء قرار التعليق بشكل مؤقت، حتى يتسنى لقيادة التحالف اتخاذ ما يلزم تجاه ميليشيات الإخوان، أملاً منا في إنقاذ اتفاق الرياض، الذي تسعى هذه الميليشيات لنسفه بشكل تامّ”.

تهميش الجنوب

ويستغل حزب الإصلاح الإخواني سيطرته على الحكومة اليمنية، والقوات العسكرية، في تهميش أبناء الجنوب، من المدنيين والعسكريين، وإنشاء ميليشيات خارج الجيش، لتكون أداة لتنفيذ المخطط الإخواني، بعيداً عن عين التحالف العربي.

ووفق البيان؛ أهملت الحكومة التي يهيمن عليها الإصلاح رعاية أسر الشهداء، وعلاج الجرحى الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم من أجل قضية الجنوب والمشروع العربي، كما أنّها عطّلت صرف المعاشات والمرتبات الشهرية لعدّة أشهر، لا سيما مخصصات القطاعات العسكرية والأمنية، وتسوية أوضاع المتقاعدين العسكريين والمدنيين، وموظفي القطاع المدني، وفي مقدمتهم المعلمون.

فضلاً عن ذلك؛ تعاني محافظات الجنوب من انهيار الخدمات العامة، وغياب أية معالجات حقيقية تلامس احتياجات المواطن، واستمرار انهيار العملة، وعدم توفير سيولة نقدية في محافظات الجنوب، وتضخّم أسعار السلع والخدمات.

وتستهدف الحكومة الخاضعة للإخوان إثارة السخط الشعبي في المحافظات الجنوبية ضدّ المجلس الانتقالي، بعد تحميله مسؤولية قطع الرواتب والمشاكل الاقتصادية.

وحول ذلك، يقول رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي في لجور المفلحي بيافع، محسن المُسعدي: “قرار التعليق جاء متأخراً، كنا ننتظره من قبل، منذ أول محاولة للمماطلة من قبل الإصلاح؛ لأنّ الحكومة التي يهيمن عليها الإصلاح تريد من تهميشها للجنوب إسقاط شعبية الانتقالي، من خلال قطع الرواتب، وتردّي الخدمات والكهرباء، وتدهور العملة وإهانة الجيش والأمن بقطع رواتبهم، كي يتحوّل سخطهم على المجلس الانتقالي”.

مخطط إخواني برعاية تركية قطرية

ويهدف التنظيم الدولي للإخوان، عبر فرعه اليمني، حزب الإصلاح، إلى السيطرة على الجنوب اليمني، وخاصة السواحل الغربية الجنوبية، المطلة على خليج عدن وباب المندب، بهدف محاصرة الجنوب العربي والبحر الأحمر، وتقف تركيا وقطر وراء هذا المخطط، الذي يرتبط بالهيمنة التركية – القطرية على الصومال.

ولا يريد الإصلاح الالتزام بخريطة تحركات التحالف العربي، لكنّه يتمسك بغطاء الشرعية، الذي يتيح له إدخال السلاح، وإنشاء معسكرات تدريب خاصة، والتحكم في موارد النفط في شبوة، وفتح الطريق أمام الشركات والمنظمات الإنسانية التركية، كذلك يتلقى الإخوان دعماً من دولة خليجية ثانية، لها خلافات تاريخية مع الجنوب اليمني.

ويوضح ذلك، الناطق باسم المنطقة العسكرية الرابعة، التي تتبعها جبهة أبين، محمد النقيب، بقوله: “خروقات حزب الإصلاح الإخواني لاتفاق وقف إطلاق النار، تهدف بصورة رئيسة إفشال اتفاق الرياض، وتلغيم الطريق أمام مساعي دول التحالف العربي، والمملكة العربية السعودية، تحديداً في التخلص من الخطر الحوثي – الإيراني، وهذه هي الأجندة القطرية-التركية المعادية للمملكة”.

ويؤكد النقيب، لـ “حفريات”: “من أجل تحقيق هذا المبتغى؛ توسعت المليشيات الإخوانية في تصعيدها في شقرة وفي تعز؛ حيث شنّت حملة عسكرية واسعة على اللواء 35 مدرع، وسيطرت على مقرّه، ضمن مخطط تطويق الجنوب، ومناطق تواجد قوات التحالف العربي بعدن، من اتجاهين؛ الشرق في أبين، والشمال الغربي في تعز، إضافة إلى السعي للسيطرة على باب المندب، والمرتفعات الغربية المحاذية له”.

وجاء قرار التعليق ليضع التحالف العربي أمام اختبار حقيقي، ليعرف العدو من الصديق في اليمن، ويوضح ذلك رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي في لجور المفلحي بيافع، محسن المُسعدي، لـ “حفريات” بقوله: “الكرة الآن في ملعب رعاة المفاوضات من التحالف العربي، وعليهم أخذ توغّل تركيا عبر ميليشيات الإصلاح بجدية، وإدراك أنّ الإصلاح يعمل على إرباك المشهد العربي، بأجندات تركية-قطرية، ونحن من جانبنا أعلنا العودة إلى الميدان لوقف التدخلات التركية في بلادنا، جاعلين من وضع مصر لخطوط حمراء أمام تركيا في ليبيا أنموذجاً لنا”.

وكانت ميليشيات إخوانية قد شنّت هجوماً واسعاً، الأربعاء 23 من الشهر الماضي، على مختلف القطاعات العسكرية الجنوبية، لكنّها منيت بهزيمة مهينة، وفق ما صرّح به الناطق باسم المنطقة العسكرية الرابعة، محمد النقيب، لـ “حفريات”.

ويسعى الإصلاح إلى شقّ الصفّ الجنوبي، عبر تشكيل رابطة تُعرف باسم “الائتلاف الوطني”، في محافظة حضرموت، التي يسيطر الإصلاح على معظمها، ومحاولة تصديرها على أنّها الممثل باسم الجنوب، ونظم الائتلاف مسيرة لعناصره تؤيّد الشرعية، في إشارة إلى الإصلاح، إلا أنّ أهل حضرموت ردّوا على ذلك بتنظيم مسيرات حاشدة، في مدينة سيئون عاصمة المحافظة، أكّدوا فيها تمسكهم بالمجلس الانتقالي، ممثِّلاً لأبناء الجنوب، وذلك يوم 24 من الشهر الماضي.

وتشهد جبهة أبين، في محافظة شبوة، قتالاً شديداً بين الجيش اليمني، الخاضع لسيطرة الإخوان، والميليشيات الإخوانية الرديفة، من جانب، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، من جانب آخر، منذ العام الماضي، ودفع الانتقالي الجنوبي بتعزيزات عسكرية إلى الجبهة، عقب الإعلان عن تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى