الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي: الدوافع والمكاسب للقضية الفلسطينية والمنطقة

عدن24 | مركز الإمارات للسياسات

شكّل الإعلان عن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي في 13 أغسطس 2020 لحظةَ تاريخية غير مسبوقة منذ خمسة وعشرين عاماً، بحسب ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي أشرفت إدارته على الوصول إلى هذا الاتفاق.

ومن المتوقع أن تبدأ وفقاً للاتفاق علاقات دبلوماسية مباشرة وكاملة بين كلٍّ من أبوظبي وتل أبيب، تتمثل بدايةً باجتماع وفود مشتركة خلال الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات الاستثمار والسياحة والاتصالات والتكنولوجيا والرعاية الصحية والبيئة، وإنشاء سفارات متبادلة.

ولكن الإنجاز الأبرز في الاتفاق أنه يمثل خطوة مهمة ومتقدِّمة لتعزيز “فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط”، سيما أن إسرائيل بموجب الاتفاق “ستتوقف عن خطة ضم أراض فلسطينية” في الضفة الغربية وغور الأردن، بحسب ما جاء في البيان المشترك بين كلٍّ من الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؛ وبذلك تكون الدبلوماسية الإماراتية قد نجحت في وقف مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضمّ 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن، وهي الخطوة التي إن حدثت ستُقوِّض حل الدولتين تماماً وتعوق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الظروف السياسية الإقليمية المحيطة بالاتفاق

تشهد المنطقة العربية معطيات ومتغيرات إقليمية عاصِفَة وغير مسبوقة متمثلة بالأطماع الإيرانية التي شهدت توسعاً كبيراً في المنطقة العربية في كلٍّ من سوريا والعراق ولبنان واليمن، وشكلت إيران إما مباشرةً أو عبر وكلائها في هذه الدول تهديداً استراتيجياً حقيقياً للمنطقة العربية عموماً، ومنطقة الخليج بصفة خاصة، وبدت طهران أكثر تصميماً على زعزعة الأمن الإقليمي بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي مع إيران) لعام 2015، وفرضها عقوبات شديدة على طهران، كما شكَّل التهديد الإيراني خطراً استراتيجياً على أمن التجارة العالمية وتجارة النفط من خلال تهديدها حرية الملاحة في الخليج العربي وبحر العرب.

وكشفت تركيا أيضاً عن أطماعها في المنطقة العربية، وذلك من خلال تدخلها المباشر والسافِر في سوريا، وعرقلتها كافة الجهود الدولية لإحلال السلام في ليبيا، ودعمها لحركات الاسلام السياسي المتطرفة في المنطقة، إضافة إلى أطماعها في غاز شرق المتوسط مما يشكل تهديداً للأمن الحيوي لدول عربية رئيسة، مثل مصر.

وفي الوقت الذي تُلقي فيه جائحة كورونا بظلالها الثقيلة على اقتصادات الدول العربية، يشهد كُلٌّ من العراق ولبنان أزمات سياسية عميقة تهدد بنية الدولة في كلٍّ منهما، بينما تستمر الأزمة السورية والصراع في اليمن، نتيجة تدخل إيران في تلك الساحات العربية وسعيها إلى تحطيم أسس الدولة الوطنية عن طريق دعم الميليشيات المسلحة وقوى وجماعات ما دون الدولة.

وبينما لا تزال الساحة الفلسطينية تشهد انقساماً عميقاً بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكومة حماس في غزة، فقد وصلت المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية إلى طريق مسدود، وخاصة حين أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قراره بضم أراض في الضفة الغربية وغور الأردن إلى إسرائيل، وهو الأمر الذي دفع السلطة الفلسطينية إلى التهديد بإلغاء كافة اتفاقيات السلام مع تل أبيب.

كما يأتي الاتفاق في ظل تبايُن كبير في سياسات دول الاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة، وتزايد الطموحات الروسية والصينية للعب دورٍ أكبر على حساب الدور الأمريكي فيها.

الانعكاسات المتوقعة للاتفاق على القضية الفلسطينية وعملية السلام

صرَّح الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أن الاتفاق حقق اختراقاً متمثلاً في تجميد ضم الأراضي الفلسطينية وإزاحة الخطر الجاثم الذي كان يتهدد حل الدولتين، إذ نجحت دولة الإمارات في تحييد هذا الخطر من خلال استثمار دبلوماسيتها الوازنة لدى صانع القرار الأمريكي. وبمجرد الإعلان عن الاتفاق، انتقد رئيس مجلس المستوطنات في إسرائيل شي ألون، الاتفاق الإسرائيلي مع دولة الإمارات، نظراً لأنه جمَّد قرار الضم.

ويمكن قراءة انعكاسات الاتفاق وفقاً للمعطيات التالية:

  • إن الاتفاق، ورغم أنه يمثل بداية لعلاقات ثنائية بين كل من الإمارات واسرائيل، إلا أن المطلب الإماراتي الرئيس لم يتمثل في مصلحة ذاتية لدولة الإمارات بل في وقف ضم الأراضي الفلسطينية، وإنعاش فرص حل الدولتين بعد أن وصلَ إلى مرحلة ميؤوس منها.
  • إن الموقف السياسي الإماراتي يأتي دعماً للموقف العربي والدولي المبني على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وهو المطلب الرئيس والهدف الذي سعت وتسعى السلطة الفلسطينية لتحقيقه عبر حشد دعم دولي يعزز مطلبها هذا.
  • إن الإمارات أكدت أن دورها يتمثل في إنعاش فرص السلام والتمهيد لها، لكنها أكدت أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هما المعنيَّان بإحياء عملية السلام، أي أن الإمارات لم تطرح نفسها بديلاً من الفلسطينيين بل لا تزال على موقفها الداعم لعدالة المطالب الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
  • إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي سيشكل إزاحة للعبء الأمني والاستراتيجي الذي كان من الممكن أن تعاني منه كل من الأردن ومصر فيما لو ضمَّت إسرائيل مزيداً من الأراضي الفلسطينية.
  • إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي نجح في إعادة تفكير صانع القرار الأمريكي بضرورة وجود أطراف عربية فاعلة في عملية السلام، بعد أن جنحت الإدارة الأمريكية في الفترة الأخيرة إلى تهميش الدور العربي والمضي باتفاقيات منفردة مع إسرائيل في قضية هي محور الاهتمام العربي وهي القضية الفلسطينية.

أخيراً، سيمنع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي المزيد من التدهور في القضية الفلسطينية في ظل الانسداد التام في المفاوضات مع إسرائيل واتخاذ إسرائيل في السنوات الأخيرة خطوات أحادية الجانب دون أي دور عربي أو إقليمي أو دولي فاعل في ردعها. ومن المرجح أن تتبع دول عربية أخرى دولة الإمارات في إقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى