بعد اغتيال القعيطي.. كيف يؤثر الإعلام على الأزمة في اليمن؟

عدن24 | كيو بوست

أثارت التغطية الإعلامية للمشاهد المروعة في حرب العراق مشاعر الكره لدى العديد من الناس في جميع أنحاء العالم، وكان لها دور بارز في تعبئة الفكر المتطرف لدى الكثير من الشباب في اليمن، والذين انضم بعضهم إلى الجماعات الإرهابية، داخل وخارج البلاد، لمجرد مشاهدة مثل تلك التغطيات.
ولكن التغطية الإعلامية، ودعاية الجماعات الإرهابية، خلال حرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة في 2003، لم تكن وحدها المسؤولة عن عدم الاستقرار الذي خلقه الإرهاب في اليمن؛ بل إن الإعلام بمختلف مستوياته، الوطنية والإقليمية والدولية، يؤدي دوراً بارزاً في مختلف الأزمات اليمنية من التنظيمات الإرهابية، ومروراً بالقضية الجنوبية، وثورة الشباب، والتمرد الحوثي، وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
الإعلام و التطرف
خلال حرب العراق، اعتاد رجب أيوب (الاسم مستعار لأسباب أمنية) ومجموعة من أصدقائه وأقاربه الشباب، على الاجتماع في بيتهم؛ لمشاهدة مقاطع الفيديو العنيفة ضد العراقيين، وكذلك مقاطع الفيديو العنيفة ضد القوات الأمريكية والعراقية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة في العراق. وفقاً لرجب أيوب، وهو عضو سابق في تنظيم القاعدة، كانت تلك الفيديوهات السبب الأول الذي دفعه وأصدقاءه إلى الانضمام إلى تنظيم القاعدة في اليمن.
في الواقع، فإن تجربة أيوب ليست فريدة من نوعها، بل هي تجربة متكررة لمئات، وربما آلاف الشباب المتحمس حول العالم، والذين تم استغلال حماسهم للتغرير بهم. وقد أسهم تطور التصوير الرقمي، وزيادة استخدام الإنترنت منذ عام 2000 تقريباً، في سرعة وسهولة وصول تلك المواد إلى الجميع، واستغلال منصات وتقنيات الإعلام الآخذة في الرخص والتوفُّر بكثرة منذ ذلك الحين؛ بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، في صياغة ونشر الفكر الإرهابي، وإلهام المقاتلين والمتعاطفين المحتملين، ففي 2014 على سبيل المثال لا الحصر، أصدرت قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، عبر منصتها الإعلامية المعروفة باسم “الملاحم”، كُتيباً رقمياً بعنوان: (الاستراتيجية العسكرية)، وهو من إعداد القيادي اليمني في التنظيم نصر بن علي الآنسي.
يتحدث كُتيب “الاستراتيجية العسكرية” عن الاستراتيجيات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وغيرها من المبادئ التي تتبناها بالفعل التنظيمات الإرهابية. يُذكر أن نصر الآنسي قيادي بارز في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، من مواليد تعز، شمال اليمن، ومن تلامذة جامعة الإيمان التي أسسها عبدالمجيد الزنداني، أبرز مؤسسي حزب الإصلاح. واشتهر عن الآنسي، كغيره من القادة، ظهوره في الكثير من فيديوهات الدعاية للتنظيم، ومساعدته لمؤسسة “سحاب” التي تعتبر ذراع الدعاية الإعلامية للتنظيم، وكذلك تبنيه الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” في باريس. قُتل نصر الآنسي بواسطة طائرة أمريكية دون طيار في المكلا، جنوب اليمن، في عام 2015.
تهميش إعلامي
لم تكن القضية الجنوبية تحظى باهتمام إعلامي يُذكر عندما بدأت شعبيتها تزداد منذ عام 2007 من خلال ما عُرف حينها بالحراك الجنوبي؛ وذلك حتى على الرغم من تقارير بعض المنظمات الحقوقية؛ كـ”هيومن رايتس واتش”، والتي تناولت انتهاكات الحكومة اليمنية للجنوبيين، والتي شملت القتل غير القانوني، والاحتجاز التعسفي، والضرب، وقمع حريات التجمع والتعبير، واعتقال الصحفيين وآخرين على أيدي قوات الأمن المركزي، وغيرها من أجهزة الدولة.
كانت صحيفة “الأيام” الأكثر شعبية في الجنوب، وقد عملت بشراسة لتغطية الاحتجاجات السلمية في عدن، وغيرها من مناطق الجنوب؛ لكن الصحيفة تعرَّضت إلى عدة مضايقات من قِبل الدولة، كان أبرزها الهجوم المسلح على مقر الصحيفة في عدن، في عام 2009، ومحاكمة وتهديد بعض صحفييها. وعلى الرغم من تعطّل عمل الصحيفة في ذلك الحين ولفترة طويلة؛ فإن تغطيتها للقضية الجنوبية أسهمت بفاعلية في تشكيل الوعي الشعبي بها.
وبشكلٍ عام، لم يكن الإعلام الجنوبي يوماً متقدماً من الناحية الفنية مقارنة بالكثير من وسائل الإعلام في اليمن، فعلى سبيل المثال تم إنشاء قناة “عدن لايف” في عام 2009 بإمكانات متواضعة للغاية خارج اليمن، وعلى الرغم من ذلك؛ فإن القناة أسهمت بشكل لا يُستهان به في تعاظم حافز الجنوبيين في الاستقلال واستعادة دولتهم، وأسهمت في إخراج علي سالم البِيض، آخر رئيس لدولة الجنوب العربي، من صمته السياسي في محل إقامته في عمان، وإعادة نشاطه السياسي والإعلامي، بعد سنوات من التوقف.
إعلام مُضلل
لطالما امتلك الإعلام الموالي لحزب الإصلاح موارد مالية وبشرية مكَّنته من صناعة إعلام محترف فنياً وأكثر تنوعاً منذ فترة طويلة، مقارنةً بالقنوات المحسوبة على الجنوب. وقد أدت قناتا “يمن شباب” و”سهيل” دوراً بارزاً في تغطية ثورة الشباب اليمنية في عام 2011، والتحشيد ضد نظام علي صالح؛ للإطاحة به.
في المقابل، لم يكن الإعلام في الجنوب، ولا الشعب، بذات الدرجة من الحماسة للثورة؛ إذ لم تكن الثورة في الشمال تعنيهم؛ لأنهم يطالبون باستقلال دولتهم، وليس استبدال نظام حكم في صنعاء بآخر.
وعلى الرغم من أن تغطية تلك القنوات، ولاحقاً قناة “بلقيس” التي بدأت في عام 2014 كانت مُرضية بالنسبة إلى أنصار حزب الإصلاح، وقطاعات عريضة من الشباب الثوريين الذين تدافعوا إلى ساحات التغيير؛ فإن تلك القنوات حرفت اتجاهاتها منذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن في عام 2015، وأصبحت مُحرضاً ضد التدخل العربي أكثر من تحريضها ضد التمرد الحوثي؛ مما كان له دور بارز في انخفاض حماسة الثورة؛ إذ ضُلل الشعب في شمال اليمن، وأصبح يرى أن العدو الحقيقي هو التحالف العربي والسعودية والإمارات، ولم يعد هناك حافز قوي لمقاومة التمرد الحوثي؛ بل إن أمكن، لا مانع من التحالف مع الحوثيين ضد التدخل الخارجي.
الشعور ذاته تنامى ضد القضية الجنوبية التي أصبحت في مرمى سِهام الإعلام الموالي للإصلاح؛ ففي تعليقها -مثلاً- عن اغتيال المصور الصحفي الجنوبي، نبيل القعيطي، قالت منظمة “مراسلون بلا حدود”: “كان القعيطي هدفاً لانتقادات متكررة من قِبل أنصار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً برئاسة حزب الإصلاح (الفرع اليمني للإخوان المسلمين)”.
كان للقعيطي دور بارز جداً في تغطية الأحداث في جنوب اليمن، وإيصال صوت القضية الجنوبية إلى العالم قبل أن يُغتال على يد مجهولين يوم الثلاثاء، الثاني من يونيو، وقد علّق  مدير الأخبار العالمية بوكالة “فرانس برس” عن اغتياله بقوله: “من خلال عمله مع وكالة (فرانس برس) على مدى السنوات الخمس الماضية، ساعد نبيل في إظهار الرعب الكامل للصراع في اليمن للجمهور العالمي”.
ما الذي ينبغي فعله؟
يعتبر توافر القدر الكافي من الدوافع ضد التمرّد لدى السكان والدول المتأثرة من أهم عوامل النصر على التمرّد، وغياب ذلك الدافع يسهم في إطالة عمر الصراع حتى مع تدخل قوى خارجية، وتوافر قوات مسلحة تسليحاً جيداً.
يؤدي الإعلام، إلى جانب عوامل أخرى، دوراً بارزاً في خلق تلك الحوافز لدى السكان، يمكن ملاحظة هذا الدور من خلال النصر الذي حققه الجنوبيون ضد الحوثيين في عدن خلال فترة وجيزة، وكذلك النصر الذي حققوه ضد تنظيم القاعدة في المكلا؛ حيث قاوم السكان، بمساعدة التحالف، ببسالة عالية؛ لإيمانهم بعدالة قضيتهم. ولم نرَ مثل ذلك الاستبسال إلى الآن في مناطق سيطرة الحوثيين في شمال البلاد.
وبالإضافة إلى ضرورة خلق الحافز القوي لدى السكان، على الإعلام أن يؤدي دوراً قوياً أيضاً في تضخيم الأصوات المعتدلة، ومناهضة التطرّف، ودمج الشباب في صناعة الإعلام، وتشجيع صحافة المواطن ذات الكفاءة، وعلى الدولة والسلطات المحلية في المقابل تبني الشفافية واحترام المهنية؛ وبذلك يمكن التقليل من مخاطر الشائعات والإعلام المتطرف المحرّض على العنف والصراع.

– المصدر: كيوبوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى