موانئ الساحل العُمَاني والاحتفاء بالتجار القادمين إليها في العصر الإسلامي

كتب | د.علي صالح الخلاقي

صدر مؤخراً، عن دار الوفاق بعدن، لزميلنا د.علي محمد فريد مفتاح، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعتي الملك سعود وعدن، كتابه الموسوم (موانئ الساحل العُمَاني ودورها في ازدهار حركة التبادل التجاري بين عمان وبلاد الهند في العصر الإسلامي)، كرّسه للتعريف بموانئ الساحل العماني، وإبراز أهميتها التجارية محليًا ودوليًا وتوضيح دورها في تنشيط حركة السلع والبضائع التجارية بين عمان وبلاد الهند من بداية القرن الرابع إلى نهاية القرن السابع الهجري/القرن العاشر إلى الثالث عشر الميلادي.

يتألف الكتاب من أربعة فصول رئيسية، الفصل الأول خُصص للحديث -بصورة موجزة ومركزة- عن الموقع الجغرافي لعمان وأثره في نشوء الموانئ والمرافئ الساحلية. وكُرّس الفصل

الثاني للتعريف بموانئ الساحل العماني. أما الفصل الثالث فتركز الحديث فيه عن عوامل ازدهار حركة السلع التجارية، وأهم الطرق البحرية بين عمان وبلاد الهند. وخصص الفصل الرابع للحديث عن السلع التجارية المتبادلة بين عمان وبلاد الهند. واخُتم بخلاصة مختصرة تتضمن أهم النتائج والاستخلاصات.

اعتمد المؤلف على النصوص الواردة في المصادر والمراجع لإثبات الكثير من المعلومات والحقائق التي أوردها، مستخدماً في ذلك المنهج التاريخي في جمع المادة العلمية وعرضها وترتيبها، مع الحرص -في كثير من الأحيان- على الاعتماد على الاستنتاج والتحليل طريقًا في الوصول إلى العديد من النتائج التي وردت في مؤلفه.

لقد تناول الكتاب حقبة زمنية هامة من تاريخ عمان، وتنبع أهمية تناوله لدور الموانئ العمانية،  لما تمتلكه عُمان من موقع استراتيجي فهي تقع في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وتطل على ثلاثة منافذ بحرية في غاية الأهمية هي:البحر العربي، وبحر عمان، والخليج العربي، فضلاً عن إشرافها على مضيق هرمز الممر المائي المهم الذي يربط بين الخليج العربي والبحر العربي والمحيط الهندي، وتبعاً لذلك تمتلك سواحل طويلة والعديد من الموانئ والمرافئ التجارية، ومن أهمها:صُحَار، ومَسْقَط، وقَلْهَات، ومِرْبَاط، وظَفَارِ الحُبُوْضَي، وصُوْر، وكانت هذه  الموانئ نشطة في تجارة العبور وكأسواق للسلع المحلية والمستوردة.

إن موقع البحري الهام لعُمان جعلها من أولى البلدان التي أقامت جسورًا من العلاقات التجارية والثقافية والاجتماعية مع محيطها المجاور والقريب، وبخاصة مع بلاد الهند. وقد أوضح المؤلف الدور التجاري والحضاري لتلك الموانئ في مجال الملاحة والتجارة المحلية والإقليمية والدولية، من خلال ارتباطها بشبكة الموانئ الدولية في شرق المحيط الهندي وغربه، وقامت بدور الوسيط التجاري بين بلدان الشرق وعلى رأسها بلاد الهند والصين من جهة، وبلدان الخليج العربي، وبقيت أقاليم الجزيرة العربية، وشرق أفريقيا، وبلدان حوض البحر المتوسط من جهة أخرى، وقد تعاظم دورها في ازدهار حركة التبادل التجاري مع البلدان المختلفة، خاصة بعد سقوط بغداد سنة 656 ه/ 1258 م على يد المغول، حيث بزغ نجم ميناء ظَفَارِ الحُبُوْضَي؛ لوقوعه على خطوط الملاحة والتجارة الدولية، وصلاحيته لرسو السفن وهي في طريقها إلى عدن وموانئ البحر الأحمر قادمة من الشرق، أو في طريقها إلى بلدان الشرق الأقصى قادمة، وتبعًا ذلك استفاد أهل عمان كثيرًا مما كان يرد موانئهم من سلع بلاد الهند وبضائعها النادرة والمتنوعة، سواء للاستهلاك المحلي أم لإعادة تصديرها إلى الكثير من بلدان العالم، وبخاصة المواد الكمالية كالتوابل والأطياب والعطور والأحجار الكريمة وهي السلع التي كان لها رواجًا كبيرًا في أسواق البلدان الإسلامية والأفريقية والأوروبية على السواء، فكان لذلك أثره البالغ في النمو الحضاري والاقتصادي في جوانبه المختلفة لإقليم عمان، وعلى مستوى حياة السكان المعيشية.

ولأهمية الموانئ في الازدهار التجاري والاقتصادي أعطى حكام عمان منذ القرون الأولى للإسلام اهتماماً خاصاً لفرض الأمن والاستقرار ومكافحة القرصنة في سواحل بلادهم، بهدف تهيئة مناخٍ مناسب لحركة التجارة البحرية مع جميع البلدان المطلة على المحيط الهندي، وتأمين خطوط التجارة، كما أحسن العمانيون معاملة التجار الوافدين على بلادهم ورعايتهم وتقديم التسهيلات وتوفير الأمن والطمأنينة النفسية لهم، وتحملوا مسئولية أعباء الموانئ على خير وجه، بل وعملوا على توفير مساكن ودور خاصة ينزل فيه التجار من مختلف البلدان.

كما وجدت السفن التجارية الواردة على ميناء ظفار تعاملًا حسنًا من قبل سلطان المدينة، ولا أدلّ على ذلك من قول شاهد العيان ابن بطوطة في أثناء زيارته لميناء ظفار حيث يقول: “إنه إذا وصل مركب من الهند أو غيرها خرج عبيد السلطان إلى الساحل، وصعدوا في صنبوق إلى المركب ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله وللربان وهو الرئيس والكراني وهو كاتب المركب، ويؤتى إليهم بثلاثة أفراس فيركبونها، وتضرب أمامهم الأطباق والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان فيسلمون على الوزير وأمير الجند، وتبعث الضيافة لكل من في المركب ثلاثًا، وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان وهم يفعلون ذلك استجلابًا لأصحاب المراكب”.

ولا شك إن هذه القرائن والأدلة الواضحة تدل على حرص حكام عمان وأهلها على استتباب الأمن والاستقرار في سواحل بلادهم وموانئها، بهدف تشجيع التجار وأصحاب السفن المتعاملة معهم على مزاولة تجارتهم بأمان واطمئنان، مما ساعد في ازدهار حركة التبادل التجاري مع البلدان المختلفة.

ولم يغفل المؤلف دور حكام الممالك الهندية وأهلها في الاتجاه المقابل في توفير الأمن والأمان وتهيئة المناخ المناسب للتجار العرب الوافدين على بلادهم؛ حرصًا على ازدهار الحركة التجارية بين بلادهم وبلدان الجزيرة العربية. فالمسعودي يحدثنا أن بعض ملوك بلاد الهند كانوا يقدرون ويحترمون العرب القادمين إليهم، وقد بلغ هذا الحب حد الهيبة والتقديس. ويذكر أبو زيد السِيْرَافي أنهم إذا شاهدوا رجلاً من العرب سجدوا له وقالوا: “هذه مملكة ينبت بها شجر التمر، لجلالة التمر عندهم وفي قلوبهم”.

ولاشك أن ميل ملوك بلاد الهند إلى تجار العرب الوافدين على بلادهم، وحسن معاملتهم ورعايتهم أسهم بصورة واضحة في ازدهار النشاط التجاري والتبادل السلعي مع العرب عامة والعمانيين على وجه الخصوص.

وخلاصة القول إن جهود حكام عمان وبلاد الهند في فرض الأمن والاستقرار ومحاربة ظاهرة القرصنة في السواحل العمانية والهندية، إلى جانب حسن معاملتهم للتجار وإجلالهم لهم، كل ذلك كان من عوامل ازدهار حركة التبادل التجاري العماني الهندي في العصر الإسلامي.

وختاماً..هذه ليست قراءة شاملة لمضامين هذا الكتاب، وإنما تحية ترحيب بصدوره، وفاتحة مشهية للفت انتباه المهتمين والباحثين إلى الإبحار في مضامينه التاريخية المفيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى