هكذا علمني .. بامحسون

كتب: هاني مسهور

سألت الدكتور عمر بامحسون ذات يوم عن بدايات صندوق الطلبة المتفوقين فإذا به يفاجئني بسرد طويل بدأ بكلمات مازالت على رغم السنوات ترافقني “حينما كان الناس يتسابقون إلى وحدة شطرين كان علينا أن ننتشل أجيال من الغرق”، لطالما كانت هذه الكلمات ركناً ثابتاً في ذاكرتي ونحن نحصد وبال قرارات السياسيين الخاطئة والمندفعة وبين قرارات معاكسة تعمل على انتشال أجيال من السقوط في أوحال الجهل.

من الساحل الحضرمي .. هناك حيث تاريخنا المجيد المرتبط بفتح القلوب للإسلام في شرق آسيا .. هناك ولد عمر بامحسون في بروم المرفأ الصغير على بحر العرب .. هناك حيث قوارب الصيادين الصغيرة .. حيث النوايا الصادقة التي ترتبط بربها وما يرزقها من صيد يستر أهلها كان الميلاد لكثيرين كانوا مثله إلا هو كان استثناءاً ..

العائلة الفقيرة المتعلقة بالعلم اختارت أن يرحل ابنها إلى عدن ليرسم لنفسه طريقاً ككل الحضارمة من قبله ومن بعده .. حكايته مع عدن فصل من فصول كثيرة لكنها فصل ظل مسكوناً في دواخله ولكأنها الأرض التي انجبته فكان فيها ومعها أبناً باراً حتى وهو في الثمانين يسرد بوافر الحب والامتنان ..

اختار دراسة القانون وانتقل إلى القاهرة .. وكتب فصلاً آخر من فصول حياته .. شهد العدوان الثلاثي وخاض الصراعات الأولى مع الجبهة القومية من معقلها واتجه مباشرة ليكون من الركب الأول في دعم رابطة الجنوب العربي ..

لم يستسلم بعد سقوط عدن المرير في ١٩٦٧ بيد الجبهة القومية دخل في المواجهة وكان إلى جانب المناضلين حتى مع إنكسار جيش البادية الحضرمي .. صراع لم يتوقف في تاريخنا وأن مضى عليه نصف قرن فكل قرارات سياسية خاطئة تدفع أثمانها أجيال بعد أخرى ..

في جدة كانت بداية أخرى لسنوات من كفاح في البنك الأهلي التجاري .. وكان واحداً من مؤسسي الصيرفة الإسلامية .. حظي بكثير من التقدير من آل بن محفوظ الذين استعانوا به فكان خير المعين حتى انتقل إلى العاصمة الرياض ..

ثابر في عمله كمحامي للبنك الأهلي التجاري .. وثابر في مجال نشر الوعي الاقتصادي فكان صاحب أول صالون اقتصادي عرفته السعودية .. جمع رواد المال والاقتصاد في ثمانينيات القرن العشرين قبل أن يتحول الصالون إلى ثلوثية بامحسون في ١٩٩٠ وتكون ملتقى ثقافي برعاية كريمة من أمير الرياض آنذاك الملك سلمان بن عبدالعزيز ..

عندما وقعت الوحدة اليمنية قرر إنشاء صندوق الطلبة المتفوقين لمساعدة أبناء المقيمين في المملكة على إكمال ابنائهم المسيرة التعليمية .. ومن دعم محدود من أبناء الشيخ سالم بن محفوظ يرحمه الله إلى مؤسسة كبرى تساهم في تعليم عشرات الآلاف من الطلبة لتشمل طلاب من عدن وحضرموت وكافة المحافظات ..

في شتاء ٢٠١٢ مازلت أتذكر فرحته الغامرة باستقبال الدفعة الأولى من طلبة محافظة المهرة .. ولكأنهم أبناءه غمرهم بكثير من الدفء ونقلهم إلى جامعات السعودية ليكونوا أطباء ومهندسين يبنون وطنهم المنسي إلا من صراعات السياسيين ..

النوايا الحسنّة انجبت جامعة واسعة أسمها عمر بامحسون حولت المستحيل إلى ممكن وصنعت أجيالاً من المتعلمين في شتى جامعات العالم .. حصاد بامحسون أكبر من ما حصدته مغامرات السياسيين التي صنعت فشلاً وأنجبت خيبات بطول البلاد وعرضها ..

كأبن من أبناء المهاجرين من حضرموت إلى السعودية أكرر ما علمني أياه أهلي أن مجدنا الحضرمي نغزله حيث الأوطان التي تمنحنا الفرصة في صناعة المجد .. ولذلك كنا صُناع مجد عظيم في وطن سعودي عظيم منح الحضارمة وغيرهم فرصة فكانوا كما تحب الديار السعودية أن تكون روافد عمل وخير في وطن عطاء ونماء ..

فخور بأني مررت من بين يدي د. عمر بامحسون كموظف عابر وكتلميذ من التلاميذ الذين نهلوا من وعاءه ما يستحق أن أشعر بهذا الفرح لاختياره سفيراً للنوايا الحسنة للأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى