تقرير خاص | البسط والبناء العشوائي يطال المعالم الأثرية وهؤلاء هم المتسببون!

  • عمليات البسط والبناء العشوائي على المعالم الأثرية جاء نتيجة لتقاعس الحكومة اليمنية وإهمالها
  • نتيجة للإهمال تحولت بعض المعالم الأثرية إلى مستوطنات للكلاب وتراكمت القمامات فيها
  • تحزيم صهاريج عدن بالأحجار المخصصة لرصف الشوارع شوّه الشكل والطراز المعماري لها
  • ناشطون مجتمعيون نظّموا وقفة احتجاجية ضد عمليات البسط والبناء العشوائي في المعالم الأثرية

عدن24| خاص

نظّم نشطاء مجتمعيون  – مطلع هذا الأسبوع – وقفة احتجاجية بكريتر ضد عمليات البسط والبناء العشوائي في المعالم الأثرية.

وطالب منظّمو الوقفة الاحتجاجية السلطات المحلية بإيقاف ظاهرة البسط والبناء العشوائي، خصوصًا في الأماكن الأثرية والتاريخية التي تتعرض لاعتداءات متكررة.

وتعرضت الأماكن الأثرية في مدينة عدن مؤخرًا لاعتداءات متكررة من خلال قيام بعض الأشخاص والنافذين بعمليات بسط وهدم وبناء عشوائي طالت الكثير من الأماكن والمتنفسات.

حكومة متقاعسة

منذ عام 2011 ونتيجة لتقاعس الحكومة اليمنية عن واجباتها أقدم عدد من المواطنين على البسط العشوائي داخل حرم صهاريج عدن- بمدينة عدن – واستمرت عمليات البناء العشوائي داخل حرم الصهاريج بعد طرد المليشيات الحوثية من عدن بالتزامن مع أعمال بسط واسعة النطاق طالت معالم أثرية أخرى.

لمحة تاريخية

تعد صهاريج عدن من أبرز المعالم التاريخية والسياحية التي يحرص على زيارتها الزوار المحليون والسياح العرب والأجانب القادمون إلى مدينة عدن، والتي تدل على عمق حضارة شعب الجنوب، حيث شيدها الحِميَّريون في أسفل مصبات هضبة عدن، وترتفع حوالي 800 قدم عن سطح البحر، حيث تخزن قرابة136,382,757  لتر من الماء.

وتعد صهاريج عدن أقدم الآثار بمحافظة عدن والتي يعود بنائها حسب المؤرخين إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد؛ أي إلى عهد مملكة سبأ، والتي شهدت تلك الفترة إنشاء الصهاريج ومعبد الشمس ومعالم أخرى في ذلك الحين.

ولعلّ ما يلفت النظر وجود لوحة مثبتة على جدار بالقرب من صهريج “كوجلان” مكتوب عليها “هذه الخزانات في وادي الطويلة مجهول تاريخها”.

وكلمة) صهريج( لفظة مستعربة من اللغة الفارسية وتعني: حوض الماء.

البناء العشوائي

طالت عمليات البسط العشوائي مناطق أثرية مختلفة في محافظة عدن بمختلف مديرياتها، مثل الحال في كريتر وجبل حديد وساحل كريتر ومقبرة الذكي بالمعلا وجبل البنجسار بالتواهي.

وبخصوص البناء العشوائي الذي طال حرم الصهاريج، قال خالد سيدو – مدير عام مديرية صيرة ورئيس المجلس المحلي في المديرية: “نحن طبعًا استلمنا المديرية في 2015 وكانت موجودة أعداد كبيرة من المنازل العشوائية في المنطقة، ومن خلال عملنا في المديرية وتواجدنا فيها باعتبارنا من الساكنين في المديرية نعلم بشأن هذه المباني، حيث بدأت أعمال البناء منذ عام 2011 كمماحكات سياسية ما بين السلطات المحلية في ذلك الحين والسلطة المحلية في السابق، حيث كان من المقرر التوجه بصرف المنطقة المحاذية للصهاريج لمستثمرين، وكان هناك رفض من قبل السلطات المحلية، هذا كان قبل 2011، وفي 2011 بسبب الفوضى التي اجتاحت الجمهورية بشكل عام أو ما سمي بثورة الربيع، وضعف الدولة حينها، فقد أُعطي الضوء الأخضر للمواطنين بالبناء في هذه المنطقة، حيث بُنيت هذه العشوائيات واستمرت، وحاليا الناس فيها ساكنين ولديهم عمائر مسلحة، حيث وصلت بعض تلك العمائر إلى أربعة أو خمسة أدوار، لكن متى ما كان هناك قرار شجاع من السلطات المحلية في المحافظة، فنحن في السلطة المحلية بالمديرية مستعدون لتنفيذ هذا القرار، ولكن يجب أن نراعي الجوانب القانونية في مثل هذه الأمور لوجود عشوائيات لها أكثر من ثلاث إلى اربع سنوات، ويجب أن تكون هناك معالجات تتدخل فيها جوانب التعويضات. والعشوائيات ليست في الصهاريج فقط، بل في أكثر من موقع، ويجب أن يكون هنالك قرار سيادي بإزالة هذه العشوائيات، وأكرر مرة أخرى: نحن في السلطات المحلية في المديرية مستعدون لتنفيذ أي قرار سيادي بهذا المجال”.

وأضاف: “نحن في السلطة المحلية لمديرية صيرة نتحمّل مساوئ ذلك العمل إلى اليوم، لكن بإذن الله هناك معالجات جذرية في جميع المديريات على مستوى المحافظة وسيسري هذا الإجراء على العشوائيات في الصهاريج وغير الصهاريج”.

بنفس السياق قال واثق برو، نائب رئيس القيادة المحلية المجلس الانتقالي في مديرية صيرة: “بخصوص العشوائيات المتواجدة في حرم صهاريج عدن والذي يعتبر المنبر التاريخي لمدينة عدن، كانت لنا تحركات كثيرة وحثيثة في هذا الموضوع، حيث قمنا بالنزول أكثر من مرة لوقف البناء العشوائي في حرم الصهاريج، ونبّهنا المواطنين بعدم البناء العشوائي في الصهاريج والمناطق الأثرية والتاريخية، والتي تعتبر تاريخنا وتاريخ أجدادنا، وبالتالي يجب الحفاظ عليها ويجب على كل مواطن غيور أن يحافظ على هذه الأماكن التاريخية”.

وأضاف: “تواصلنا مع السلطات المحلية ولكن دون جدوى، ولكن نحن في المجلس الانتقالي مهتمون بهذه القضية وسنواصل المتابعة في هذا الموضوع حتى إزالة كل تلك العشوائيات سواء في الصهاريج أو أي منطقة أخرى، ونحن حريصون على إعادة الابتسامة إلى مدينة عدن مرة أخرى”.

شكاوى ضد العشوائيات

في نفس السياق قال عواد النوبي، قائد الكتيبة الخامسة دعم وإسناد، بأنهم تلقوا بعض الشكاوى بخصوص العشوائيات في الصهاريج، وقال إنهم مستعدون في حال تلقيهم أوامر بالنزول إلى المناطق العشوائية سواء في الصهاريج أو أي منطقة أخرى. وأضاف: “كل من يحاول طمس آثار الجنوب أو سرقتها والمتاجرة بها سنتخذ كل الإجراءات ضده، ونحن ننتظر التوجيهات بإعادة كل ما تم أخذه وسلبه من مدينة عدن والمدن الجنوبية”.

قرارات لا تُنفذ

وتوجهنا إلى مدير عام المديرية بالسؤال عن الإجراءات التي اتخذوها بخصوص العشوائيات التي بُنيت في الصهاريج، فأجاب: “نحن بالتنسيق مع الإخوة في مكتب الأشغال العامة في المديرية، باعتباره الجهة المسئولة على هذا، ونسقنا معه وعملنا مسحًا للمنطقة، حددنا خلاله المباني العشوائية في المنطقة، وعملنا حلولًا لهدم الجزء الأقرب للصهاريج، ورفعنا متطلبات القيام بهذه الحملة بالتنسيق مع الجهات الأمنية، ورفعنا تصورًا متكاملًا للإخوان في المحافظة وللإخوة في إدارة الأمن والأشغال العامة في المحافظة، ولكن إلى الآن لا يوجد أي تجاوب ولم يُصدر أي قرار للقيام بهدم تلك العشوائيات في الصهاريج”.

وبنفس السياق قال المهندس ناصر عبدالرزاق – مدير عام هيئة المدن التاريخية فرع عدن: “تم التوجيه إلى مدير عام الصهاريج بعمل رسائل إلى الجهات الأمنية والجهات المعنية للتصرف مع من بدؤوا بعمل بناء عشوائي في حرم الصهاريج، وهذه تقريبا بدأت في عام 2011 واستمرت إلى عام 2015، وتم توجيه رسائل إلى كل الجهات المعنية في مكتب الأشغال العامة والمأمور ومدير الأمن وأقسام الشرطة، وكل هذه النسخ موجودة مع مدير الصهاريج ولكن لم نلقَ أي تجاوب”.

الإهمال وغياب الدعم الحكومي

وتتعرض صهاريج للإهمال، حيث تحولت هذه المنطقة التاريخية العظيمة إلى إلى مستوطنة للكلاب بالإضافة إلى ذلك فإن تراكم القمامة وتدهور الحديقة وألعابها وغياب الشبه التام للنظافة كلها أسباب أدت إلى عزوف الكثير من العوائل عنها .

وبخصوص الإهمال الحاصل في الصهاريج قال مدير مديرية صيرة، خالد سيدو: “الصهاريج لا تخضع مباشرة للسلطة المحلية في المديرية، فهي تخضع لنا في الجانب الإداري فقط، وإنما هي خاضعة للإدارة العامة للثقافة والسياحة، ولهم ميزانية خاصة، فنحن في المديرية تدخّلنا عبر مشاريع مع بعض المنظمات المانحة فقمنا بعملية تشجير وترتيب في الصهاريج ولا يزال المشروع قائما”.

بنفس السياق قال مدير عام هيئة المدن التاريخية بأن الصهاريج لم تُرصد لها أي ميزانية طوال السنوات الماضية حتى مائة ريال في الشهر! وكل الأعمال التي تتم في الصهاريج إما من منظمات دولية أو تجار أو مساهمات من أبناء الحي نفسه أو صندوق النظافة والتحسين، مثل توفير معدات للنظافة والتحسين والتي يقوم بها العمال في الصهاريج فقط.

تغيير الشكل المعماري للصهاريج

في العام الماضي قام الصندوق الاجتماعي للتنمية بمشروع في الصهاريج من أجل تحزيم المناطق الخضراء في الصهاريج تحت اسم “النقد مقابل العمل” ولكن للأسف فالتحزيم الذي حصل في الصهاريج غيّر من الطراز المعماري للصهاريج، وتم تحزيم تلك المناطق الخضراء بنفس الأحجار التي يتم رصف الطرقات بها في مدينة عدن، مما شوّه الشكل والطراز المعماري للصهاريج، وهذا يطرح علامة استفهام عن الأدوار التي تلعبها تلك المنظمات والتي تدّعي أنها تحافظ على الآثار والمناطق الاثرية في المدينة، بينما هدفها هو الربح وجني المال، ولو كان على حساب الشكل المعماري في المديرية.

وتوجهنا بخصوص هذا الأمر إلى مدير عام المديرية فأجاب: “هناك مهندسون متخصصون معماريون وراصف فني في هذا الجانب، وبالأساس تقام دراسات في هذا الجانب من قبل المنظمة بالشراكة مع مكتب الأشغال العامة”.

ويتهم خبراء في الآثار السلطات المحلية بالتعاون مع بعض المنظمات لتنفيذ مثل تلك المشاريع المشبوهة والتي تهدف بدرجة رئيسية إلى طمس وتدمير النمط المعماري الفريد للمناطق الأثرية في عدن والجنوب بشكل عام مقابل الحصول على أموال طائلة بصفقات خيالية ينتفع منها بعض المحسوبين، فيما يتضرر منها شعب بأكمله، حيث يتم طمس هوية وحضارة شعب الجنوب العظيم والضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.

وفي هذا الشأن قال المهندس ناصر، مدير عام هيئة المدن التاريخية في عدن: “إن الصندوق الاجتماعي للتنمية أخذ الموافقة للترميم والرصف في الصهاريج من السلطات المحلية في المديرية بدون الرجوع لهيئة إدارة المدن التاريخية”. وأضاف: “التقينا بالصندوق الاجتماعي للتنمية بحضور مدير عام الهيئة العامة للآثار الدكتور محمد السقاف وخرجنا بحلول لإزالة ما تم رصفه في الصهاريج، وبموافقة الاتحاد الأوروبي تم الاتفاق على إزالة ما تم رصفه في حرم الصهاريج، ولكن وحتى اللحظة لم يتم إزالة أيًا من تلك الأرصفة في صهاريج عدن”.

تنصّل من المسئولية

وتوجهنا إلى مكتب الهيئة العامة للآثار والتقينا بالدكتور محمد باطايق، ولكنه رفض الإدلاء بأي تصريح قائلا بأن الصهاريج تخضع للهيئة العامة للمدن التاريخية ولا تخضع لمكتب الهيئة العامة للآثار، بالرغم من إقرار مجلس النواب وبموافقة رئيس الجمهورية في ديسمبر2013 على قرار ينص على أن كل المواقع الأثرية تتبع الهيئة العامة للآثار ولا يمكن التصرف فيها إلا بعد الرجوع للهيئة العامة للآثار.

ويلاحظ تنصّل كل تلك الجهات الرسمية – التي تدّعي المحافظة على الآثار-  من المسئولية الملقاة على عاتقها تجاه المناطق الأثرية والتاريخية في عدن، حيث تقوم كل جهة برمي اللوم على الجهة الأخرى متعللة بتبعية تلك المناطق الأثرية لجهات معنية محددة.

ويرى مراقبون ومختصون أن محاولات تنصّل تلك الجهات من المسئولية تأتي تماشيا مع السلطات المحلية التابعة للشمال، والتي سعت إلى طمس هوية وتاريخ شعب الجنوب طوال السنوات الماضية.

وحاولنا الذهاب إلى مكتب المحافظة للتواصل مع محافظ محافظة عدن بخصوص العشوائيات، ولكننا لم نجده في المحافظة، وأخبرَنا الحراس بأنه لا يداوم كثيرًا في المحافظة، وحتى لحظة كتابتنا للتقرير لم نستطع الحصول على لقاء مع المحافظ لمعرفة ما جرى بخصوص العشوائيات ومن يقف خلفها ومن يعرقل الإجراءات الرامية لهدم العشوائيات في الصهاريج.

إدراج الصهاريج ضمن التراث العالمي

وكانت منظمة اليونيسكو قد أدرجت مدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام وسورها على قائمة التراث العالمي، كما أدرجت حاضرة زبيد التاريخية على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 2000 بسبب التهديدات المتعلقة بالتنمية، ورغم أن معايير منظمة اليونسكو لضم المدن إلى قائمة المدن التاريخية تنطبق على مدينة عدن إلا أن غياب الاهتمام والمتابعة من قبل الحكومات الشمالية والتي تتعامل مع الجنوب كجزء محتل يجب الإبقاء عليه مغيبا حال دون إدراج الصهاريج ومدينة كريتر ضمن قائمة التراث العالمي للمناطق المهددة بالخطر.

وطالب مؤخرًا خبراء بالآثار بإدراج الصهاريج ضمن قائمة التراث العالمي المهددة بالخطر نتيجة الأخطار التي تهدد الصهاريج، مثل البناء العشوائي ونحوه، وفي هذا السياق قال مدير عام الهيئة العامة للمدن التاريخية: “هذه بشرى سارة للأهالي في عدن بأن المركز العربي للتراث العالمي في البحرين تديره هناك شادية طوقان، والتي كانت مديرة المكتب الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP) في التسعينات في عدن، وتعرف عدن تمام المعرفة، وماذا تعني الصهاريج وصيرة، فكان لها دور كبير في الضغط لمحاولة إدراج الصهاريج كموقع من ضمن قائمة التراث العالمي لشدة الإهمال الذي أصابه، وتم تكليفي الآن من قبل مكتب اليونيسكو بإعداد ملف متكامل بالصهاريج إلى نهاية شهر ديسمبر من أجل تقديمه في شهر يناير في البحرين؛ لأن المركز في البحرين متكفل بتبني إدراج الموقع من ضمن القائمة التمهيدية في فترة سنة وبعد سنة إذا ما تم الموافقة عليه سيتم إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي، وهنا سنضمن أنه سيكون  هناك اهتمام عالمي بالموقع”.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى