مهرجان عدن المسرحي للفترة من (10__ 20 ديسمبر 2018)

من لحد الفناء برائحة البؤس والعناء ينهض خجلاً وباستحياء

مهرجان عدن المسرحي للفترة من (10__ 20 ديسمبر 2018)  بعد غياب طويل المشهد المسرحي في عدن :من لحد الفناء برائحة البؤس والعناء ينهض خجلاً وباستحياء

 

العدد 59 من صحيفة عدن 24

عدن24 / عبدربه الهيثمي -ناقد ومؤلف مسرحي

(إنَّ إحساس المثقف في الألفية الثالثة بالقهر والاضطهاد لا يأتي بسبب التعذيب في السجون أو سياسة تكميم الأفواه، كما كان سائداً في الماضي بل إحساس ومعاناة أخرى واضطهاد آخر إنه اضطهاد وقهر وضعف الإمكانيات وعدم القدرة على امتلاك جزئيات التقنية ، التي من خلالها تستطيع الوصول إلى الآخر المستهدف من خلال الأعمال الإبداعية هذا هو القهر الذاتي الأول ؛ الذي أراه ومع هذا فقد يتغلب المثقف على هذا الإحساس بالتفاني والجهد والاستمرار في استخدام التقنية البدائية وقد ينجح إلى حداً ما ولكن سرعان ما يصطدم بقهر أشد إنه قهر واضطهاد سلطة الوسيلة .. الوسيلة التي تصبح أداة قمع للمثقف أكبر من أي أداة قمعية أخرى وعندما أقول وسيلة فلا أعني سوى التلفزيون والإذاعة والملاحق الثقافية والمطابع والقاعات التي نطلق عليها مجازاً منابر ثقافة ..إننا في عصر تتداخل فيه المصالح والأفكار.. عصر تقنية المعلومات وصناعة الثقافة، العقل الإبداعي المسرحي يحتاج فيه إلى حاضنة أو وسيلة لضمان حياة منجزه الإبداعي ومن لم يستطع الوصول إلى هذه الحاضنة أو الوسيلة قضي على مولده بحالة من حالات الإجهاض الإبداعي.
عبدربه الهيثمي ((المسرح العربي)
بعد غياب طويل ينهض المشهد المسرحي في عدن خجلاً وباستحياءٍ ينهض من لحد الفناء برائحة البؤس والعناء ، ينهض تاركاً ولو مؤقتاً سلاح جنده وخوذات المحاربين في خنادق القتال ليرسم بالحرف والضوء والصوت والنغم بعض من ملامح الجمال الغائبة عن هذا الوطن وبالذات مدينة عدن…
إنه وبعد جهود مضنية بذلها مدير الثقافة في عدن الأستاذ أحمد عبدالله حسين الذي كلفته جلطه رقد عل أثرها في المستشفى ولازال تمنياتنا له الشفاء العاجل…بعد غياب طويل دام أكثر من عشر سنين تبادر الهيئة العربية للمسرح بدولة الإمارات العربية المتحدة مشكورة بإحياء صباحيات عدن المسرحية الذي بدأت يوم العاشر من شهر ديسمبر وستستمر حتى 20 ديسمبر وسأتحدث عن ما شاهدته من أعمال أو صباحيات مسرحية كان أولها عرض ((اللقاء العظيم)) للمؤلف والأديب علي أحمد باكثير أعدها وأخرجها وشارك في التمثيل فيها الفنان القدير علي أحمد يافعي ، وقد عرضت المسرحية في صباح الاثنين كإفتتاح لهذه الصباحيات المسرحية الموافق 10/12/2018 بحضور لفيف من المهتمين والمثقفين يتقدمهم رئيس اللجنة العلياء للمهرجان وكيل أول محافظة عدن الأستاذ نصر الشاذلي ونائبه وكيل وزارة الثقافة الفنان نجيب سعيد ثابت ومن المؤسف عدم حضور الهيئة العربية للمسرح ((الجهة الداعمة))

((اللقاء العظيم ))
النص

يحكي عن الزهد في الحياة والتقوى والخوف من الله ، عن كيفية تجاوز السيئة والرد عليها بالموعظة والحسنة… ويستشهد بحالتين حالة دفاع الخليفة عمر بن عبدالعزيز عن الشخص الذي سممه وتسبب في الأخير بموته والحالة الثانية دفاع العلامة والفقيه أبو حنيفة عن جاره العربيد والسكير عاصم الذي كان يزعجه في غناه وسكره فيشفع له عند قائد الشرطة ويخرجه من مأزق سجنه بل ويدفع له ايجار بيته
الإخراج : تعامل المخرج مع العمل بواقعية محضة من خلال تحريك وتجميد المشاهد وتتاليها.. مما أصبح معنا نصف الخشبة ميت أي إننا في كل مشهد حي من مشاهد العمل نتحرك بنصف الخشبة وبما إن الخشبة ضيقة وبالذات خشبة كخشبة مسرح حافون أصبح النصف المتبقي من الخشبة لا يفِ بالغرض ولا يلبي طموحات الحركة فماذا نجمد وماذا نبقي في خشبة عرضها لا يتجاوز الخمسة متر زد إلى ذلك إن المخرج استخدم نايلون شفاف في الخلفية فستقطع ثلث الخشبة في العمق وأعاق حركة الممثل أكثر ونتج عن ذلك تخشب الممثل واختلال ميزنسين العرض مما أثر هذا سلباً على رؤية المتفرج للعرض
التمثيل:
الشي الجميل في العرض كان التمثيل فقد استطاع المخرج إن يقدم لنا ممثلين في غاية الروعة ولقد كان الممثل محمد علي يافعي متميز بأدائه وتحيه له من كل قلبي وكانت الممثلتان دنيا وفاطمة رائعتين في أدائهما وأشكرهما على أدائهما الجميل والشكر أيضا للأستاذ المخرج اختر عبدالملك على قبوله دور صغير لكنه كبير بنظري بكبر وتواضع ممثله وتحية للممثلين عاصم وأحمد وكل من شارك في هذا العمل
تحية لأستأذنا ومعلمنا القدير علي يافعي الذي أتحفنا بهذا العرض وقدم لنا جرب من الممثلين الناشئين الذي نأمل ان يكون لهم مستقبل واعد
ـــــــــــــــــــــــــــ
العرض الثاني((محافظة أبين)) مسرحية ((انسى)) إعداد سعيد عاطف عن مسرحية عباس الحائك إخراج الدكتور عبدالسلام عامر
فنانة وصيدلي أحدهم يعالج بالنغم والأخر بالحبوب والابر ..بكائية مؤلمة الحزن يفتك بكل شي فيها وكلاهما في النهاية انهزم…عازفة البيانو والصيدلي جمعتهم المحبة وفرقتهم تناقضات الحياة المؤلمة
النص:بني النص عل خاصية الاستذكار عنوانه انسى وبطلاه لم يقبلا بالنسيان فتذكرا الماضي بمشاهد فلاش باك ابتدأت بزخم الحب واللقاء بينهم ثم مرحلة الفتور بعد إنجابهم لطفلين ثم الوقوع في مأزق الحياة وعدم قدرتهم على مواجهة مصاعبها فيطر الزوج لسرقة حليب وحفاظات أطفاله من الصيدلية التي يشتغل فيها فيكشفه رب عمله ويطرده من عمله فيتحول إلى مناهض ومعارض للسلطة فيعتقل ويسجن ويعذب وتفصل زوجته من عملها بتهمة زوجها فتطر إن تشتغل خادمة بالبيوت وتجمع ما تجمعه من مال فيخرج زوجها من السجن وهو قد قرر الهرب خارج الوطن فتحاول تثنيه ولكنه يرفض فتذعن لرغبته ويهربان وفي الأخير يجدان نفسيهما في مخيم للاجئين الحياة فيه انتظار وسجن وحصار فترفض الزوجة الاستسلام وتقرر العودة فتعود إلى وطنها بينما زوجها يستمر في هروبه الطويل
الإخراج
استخدم المخرج خلفية شفافة وخيمتين عبر من خلالهم عن فحوى العرض إجمالاً ووفق في ذلك حيث وظف الناموسيات الشفافة في الخلفية مكان للزوجية وصيدلية ومعهد للموسيقى أي اتخذ من أيقونة واحدة دلالة كبرى تحرك داخلها واجتهد في تفعيل أداوته الحوارية والمكانية فيها ولم يشعرنا بأي انفصام بين المنطوق المنظور طوال العرض إلا في حالة واحدة ظلت ثابتة من أول العرض حتى أخره وهي ايقونية أو دلالة الخيمة أو الخيام والذي يفترض أن تظهر للمشاهد كخلفية نهاية العمل لا أول العمل كون وجودها من أول العرض مجرد وجود غير فاعل ولا يبرره النص مما قضى على قوة دلالتها نهاية العمل عند الحاجة الملحة لها …أما الحركة فقد كان المخرج موفق في تحريك ممثليه موفق في الحفاظ على ميزنسين العرض…وكنت أتمنى إن ينهي العرض بقرار الزوجة في العودة إلى الوطن
التمثيل:
كان الممثلين جميعاً موفقين في أدائهم واخص بالذات الممثل ضياء مطلق والممثلة سوسن اللذان أبدعا في التكيف مع الحالات المتناقضة أبدعا في التلوين في الأداء والخروج من حالة الحزن إلى الفرح إلى البكاء فتحية لهم ولروعة أدائهم وشكراً لهم أنهم يستحقون الثناء
شكرا لمصمم الديكور سهيل باحاج على هذا الديكور الخفيف والشفاف والدال على المعنى
فألف إلف تحية لفرقة أبين المسرحية وهلا بأبين لتكون رافداً من روافد الثقافة في عدن
تحية خالصة مفعمة بتمنياتي لأخونا الأستاذ سعيد عاطف مدير مكتب الثقافة في أبين على تحمله هم المسرح وإصراره على المشاركة حتى وهو في غرفة الإنعاش بالمستشفى بعد أن تعرض لجلطة وهو يعد ويشرف على هذا العمل

وفي الأخير لا يسعني سوى أن أشكر الأستاذ المخرج عبدالسلام عامر الذي امتعنا بهذا العمل الجميل وأتمنى له التوفيق في إخراج عروض قادمة ومعا نحو تفعيل مسرح يفترض أن يحمل بين دفتيه مفاهيم ثقافية لأسنة الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الوطن عدن.. مسرح يتمرد على مفهوم الثقافة البنكية السائدة ، مسرح هدفه التغيير وتحرير العقل من سلطة المتسلط الثقافي ، مسرح يتخذ من تنمية العقل محور لتنمية المجتمع بمفاهيم فكرية وديمقراطية حقيقة غير دعائية مزيفة .. مسرح يمارس فيه الفنان وجوده الفني الكامل دون أن يحيل بينه وبين الجمهور حائل..مسرح ناقد بشفافية إبداعية …مسرح تثقيفي يشذب النتوءات الثقافية المشوكة ويربي الذوق الفني والجمالي.. مسرح يرتقي لمستوى صفته المعروفة كأبي الفنون..


هذه المادة تم نشرها في صحيفة عدن 24 المطبوعة ، العدد 59 بتاريخ 17 ديسمبر 2018، الصفحة 12

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى