الطريق البحري بعدن … شبح الموت ورصيف الإهمال

عدن24 | خاص

تزداد الحوادث المرورية، ويزداد معها نزيف الارواح الذي لا يتوقف على مدار العام، في الطريق البحري بالعاصمة عدن، فشريان الحياة المتدفق لسائقي السيارات والمركبات بشتى الانواع والاحجام، عبر مديريتي خورمكسر والمنصورة من وإلى والعكس، بسبب تردي حالته الخدمية وعدم استكمال ما تبقى من مشروع التوسعة المقرر له والمتعثر لأسباب قد تكون مجهولة لدى المواطن البسيط ومعروفة لدى المسؤول، حاله كحال مئات المشاريع الخدمية الميؤوس منها في المدينة، مع دخول العام الرابع لانتهاء الحرب والدفع بعجلة التعافي والانتعاش للأنشطة التنموية، في ظل الاهمال وعدم المبالاة من السلطات المعنية.

فالخط البحري أو الطريق البحري، يعتبر طريقاً رئيسياً لمرور مختلف السيارات والمركبات منها شاحنات نقل البضائع والحاويات عبر ميناءي كالتكس والمعلا، غير ان هذه الطريق كان مسرح صراع مرير للسيطرة على مديريات ومدن واحتكار حركة النقل تم إغلاقه على مدى الاحداث الدامية التي عاشتها مدينة عدن خلال فترة اجتياح مليشيات الحوثي الانقلابية 2015م، للمناطق الجنوبية عامة وعدن خاصة، فقد سقط عليه مئات الشهداء خلال الحرب ووقعت عليه العديد من الحوادث المرورية المؤلمة، كان اخرها انقلاب حافلة نقل (باص) على جانبه البحري ووفاة شخص واصابة باقي الركاب بجروح متفاوتة، في مشهد يتكرر دائما، دون تحرك يذكر من المسؤولين، قد تكون من أهم اسباب ارتفاع نسبة الحوادث على هذه الطريق الى جانب السرعة عدم تطوير خدماته وتوسعته ليتواكب مع كثافة الازدحام والزيادة السكانية بسبب النزوح التي تشهدها المدينة ، جراء الوضع الراهن التي تمر به البلاد.

” حقن حكومية مخدرة “

استبشر المواطنون بعدن، خيرا في ابريل 2017م، بنزول رئيس حكومة الشرعية السابق د. احمد عبيد بن دغر، ومعه رئيسها الحالي الذي كان حينها يشغل منصب وزير الأشغال العامة د. معين عبد الملك، إلى الخط البحري، لاستئناف العمل في المشروع، وأكدوا في زيارتهم تدشين استكمال مشروع الخط البحري بتكلفة تصل إلى أربعة وثلاثين مليون دولار أمريكي.
ومع مرور الوقت انكشف جلياً أن هذه الزيارة والوعود لم تكن الا “حقن حكومية مخدرة” لتخفيف حالة الغليان والغضب الشعبي، فرغم التغييرات الحكومية الأخيرة التي تصب بمصلحة انجاز المشروع خصوصا ان وزير الأشغال أصبح اليوم ايضا يشغل منصب رئيسا للحكومة، وهو ما سيسهل الكثير من التعقيدات -إن وجدت- أمام السلطات، الا ان كل هذه الايجابيات لم تغير شيئا من سياسة وفشل “حكومة الشرعية” وذهبت كل تلك الوعود في مهب الريح ولم يشهد المشروع اي انجاز جديد حتى يومنا هذا.

 

“الطريق السيئ”
يصف كثيرون الطريق البحري، بطريق الموت او الطريق السيئ، نتيجة زيادة الحوادث والوفيات والمصابين، إلا أن هذا الطريق أصبح يشكل نقطة سوداء لمواطنون والسائقون الذين يقودون سياراتهم عليه ذهابا وإيابا يوميا، من سوء حالته، وحافظاً على ارواحهم.
يطالب أحمد جميل ـ احد ساكني مديرية المنصورة ـ الجهات المعنية بالحكومة والسلطة المحلية ومكتب الاشغال العامة والطرق في عدن، بسرعة التحرك لإعادة تأهيل الطريق واستئناف مشروع التوسعة، الذي طال عمر توقف العمل فيه وعدم النظر اليه، وتحويل المشروع الذي لم ينجز منه سوء 20 % للكورنيش لقضاء الوقت وجلوس العائلات، ناهيك عن تسرب طبقات مياه البحر عليه ما يؤدي الى وضع اسوأ عند استكمال الاعمال الانشائية والهندسية للطريق في حال تم العمل به، موضحا أن الطريق البحري ، يعتبر من الطرق المهمة والحيوية لمدينة عدن، رغم وجود خط العريش البديل للخط في حالات الاغلاق ، إلا أن الأول يوفر الوقت والجهد .

وأضاف : الطريق اصبح مكسراً وغير ممهد، فضلا عن الحفر التي ملأت جنباته وعشرات الحوادث التي تحدث فيه ، مبدياً استغرابه من هذا الاهمال المتعمد، – حسب رايه – من الجهات المعنية للطريق البحري رغم اهميته الكبيرة .

وقال عبدالله علي الحكيمي ـ سائق باص -: الخط البحري هو خط سريع ولا يمكن التكهن عن العواقب الوخيمة من الزيادة في السرعة والحوادث المرورية، لافتا إلى أن ضيق الطريق وعدم التوسع والصيانة ليتواكب مع كثرة الازدحام، هو ما يتعرض له اصحاب الباص من حوادث انقلاب او اصطدام او دهس من العربات الكبيرة وكذا السيارات التي تقف على جانب الطريق، موكدا أن الطريق أصبح يشهد ازدحاما خانقا للحركة المرورية خاصة في اوقات الذروة “فترة الظهيرة” وقت عودة الموظفين وطلاب المدراس الى منازلهم، وتشتد حركة مرور السيارات وسرعتها، مع الوضع السيئ للطريق الذي يحتاج الى إعادة تمهيده ورصفه وإضاءته بالطاقة الشمسية في المساء، خصوصا مع قدوم الصيف الذي تزيد فيه حدة انقطاعات التيار الكهربائي، وذلك لتفادي المشاكل المرورية تزداد يوما بعد يوم إثر غياب اهتمام الدولة بالمشاريع التطويرية والتحسينية للطرقات .

من جانبه اشار صادق عمران ـ طالب كلية هندسة ـ يسكن في مديرية التواهي، ويقطع الطريق البحري بشكل يومي عند مشوار الذهاب والعودة من كليته الواقعة في مدينة الشعب بمديرية البريقة، إلى أن الطريق أصبح غير آمن مع ارتفاع الحوادث المرورية التي يشاهدها اثناء التنقلات والعبور بالطريق، إضافة الى اصطفاف السيارات والوقوف بطابور طويل لساعات، لأي عارض بسيط يحدث على الطريق كحادث او اصلاح وتركيب عمود كهربائي او عطل فني لمركبة، ليؤدي الى تعطيل الحركة والانشغال عما يجري بالطريق وبالتالي التأخير عن دوام الكلية او العمل للموظفين، داعيا المسؤولين الى النظر بعين الرحمة والتعاطف للأرواح التي تزهق وتسيير امور المواطنين، انطلاقا من واجب اخلاقي وانساني، والذي راح ضحيته المئات خلال السنوات الماضية، وإيجاد حلول فورية تعالج مشكلة الطريق البحري.

واقع مرير للطريق البحري، ومعدلات الحوادث والضحايا التي تقع عليه، جعلت احد المسؤولين بوزارة الأشغال العامة والطرق، تحميل السائقين المسؤولية بالقول، إن السرعة هي السبب في الحوادث المرورية؛ وهو أمر لا ينكره احد، لكن لا يستقيم دون اضافة سوء حالة الطريق وتهالكه، بسبب غياب الصيانة والتطوير واستكمال ما تبقى من مشروع التوسيع، الذي لم يرَ النور حتى نتحدث عن انجاز ما تحقق منه بشكل واضح.

 

” حلم مشروع التوسيع “
مر مشروع الطريق البحري بالعديد من المحطات التي تجاوزت الفترة المحددة للتسليم والافتتاح حسب ما تم التوقيع عليها والبدء فيه بعام 2011م، وقد تم توقيع الاتفاقية على تنفيذ المشروع بين السلطة المحلية بعدن وشركة المقاولات “جاك توب” التي ستنفذ المشروع، حيث لا يدخل المشروع ضمن التخصص المباشر لمكتب الاشغال العامة والطرق بعدن ، لان المشروع تم ادراجه من ضمن المشاريع المركزية التي يخول لوزارة الاشغال العامة والطرق متابعتها والاشراف على الجهة المنفذة ـ حسب مصدر من مكتب الاشغال العامة والطرق فضل عدم ذكره اسمه ـ والخلافات بين المقاول والوزارة، تأخذ اسباباً عديدة اهمها استحقاقات مالية ومخالفات فنية للشروط الاساسية المتفق عليها لتنفيذ المشروع التي شملت عملية الردم والنوعية المستخدمة في الردم، ناهيك عن الاختلالات الأمنية، والاختلاف في الآراء ووجهات النظر، وطي صفحة تنفيذ المشروع النسيان وكأنه لم يكن، لولا الإحراج الذي تتعرض له الحكومة، من قبل الجهة الممولة التي يمثلها الصندوق العربي للإنماء، عن اسباب توقف المشروع وعدم استئناف العمل به، وهذا يتجلى من خلال الزيارات المتفاوتة بين الحين والاخر لرئاسة واعضاء الحكومة والسلطة التنفيذية بمدينة عدن، للوقوف أمام أطلال مشروع الطريق البحري ، والتذكير أنه في يوم من الايام كان سيقام مشروع، يعول عليه في خدمة النشاط التجاري للمدنية وتسهيل حركة التنقلات والحد من الحوادث المرورية والازدحام .

 

” أبواب مسؤولة مغلقة “
صحيفة (عدن 24) طرقت باب مكتب الأشغال العامة بعدن، وأجرت اتصالات هاتفية بعدد من مسؤولي الوزارة، للتعرف على أسباب توقف أعمال مشروع توسعة الخط البحري عن قرب، لطرحها أمام المواطن الذي يعيش بحالة توهان جعلت حياته عرضة للإعاقة او الموت، في هذا التقرير، الا أن الجميع رفض الإفادة بأي معلومات والإدلاء بأي تصريح صحفي، وذلك لعدم توفر المعلومات الكافية لديهم بما يتعلق يتوقف عمل المشروع.

 

” لمحة تاريخية “
انشئ الطريق البحري في الخمسينيات من القرن الماضي خلال الاعوام ” 1954 ـ 1957م”، وهو عبارة عن خط اسفلتي طويل وفيه جسر يمر من تحته الماء لمرور قافلات او عبارات الملح للتصدير الى الميناء.

وكان الطريق يتكون من خطين واحد ذهاب واخر عودة من عدن ، وملحوظ عليه وجود مرتفع حجري بسيط يقدر بمتر واحد وهو مصمم لحماية انبوب النفط الذي ينقل من المصافي الى مرسى تزويد السفن بالبترول بمدينة التواهي، وايضا لتغذية محطات الكهرباء.

وارتبط الطريق كأهمية اولى لنقل النفط والاحتياجات للمصفاة بالبريقة بشكل اساسي، بعدها تم اضافة طريق من خطين اخرين يوازي الطريق الاول الذي هو الان خط العودة من مديريات المعلا وكريتر وخورمكسر الى الشيخ عثمان في عام 1964-1966 والسبب هو افتتاح مقر الحكومة الاتحادية في مدينة الشعب كمعلومة بسيطة.

فالطريق البحري والجسر، ليست فكرة جديدة أبان فترة المستعمرة البريطانية بمدينة عدن، ولكن هذا الطريق كان موجودا بصورة ترابية ويغطى بالبحر اثناء المد، ويوجد عليه جسر خشبي كان يحل محل الجسر الاسمنتي الموجود حاليا.

لم نفضي من وراء فتح الحديث عن مشاريع استراتيجية خدمية بدرجة رئيسية، تخدم المواطن وتحل شيئا بسيطاً من معاناة طويلة طالت مقومات سبل العيش الكريم، مجرد التنفيس الآني للحظة ستطوي ذاكرة النسيان مع دورات الايام، دون واجب اخلاقي ومسؤولية مجتمعية نحو ما يجري من حولنا، حتى ننتظر وقوع حادث كبير لا سمح الله، للحديث عن الفشل الحكومي، وسوء وضعف ورداءة الطرق في مدينة عدن، التي عرفت منظومة الطرق الحديثة والمشاريع المتطورة في اوائل القرن الماضي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى