المناطق التي كانت تحت النفوذ البريطاني لم تحظَ بحرية اختيار شكل الحكم وتقرير مصيرها المستقبلي

أجرى “رئيس تحرير “عرب برس” فضل العيسائي حواراً(شفهياً) مع السلطان غالب بن عوض القعيطي “صاحب المَقام الرفيع، والأخلاق الحميدة والتواضع، الذي كان حاكماً لثالث أكبر دولة في الجزيرة العربية (مساحةً) بعد السعودية وسلطنة عمان، وهي حضرموت.

لأهمية الحوار وما طرق فيه عدن24 تنشر نصه :

ماهي رؤيتك اليوم حول الحلول للمنطقة في ظل الأحداث ..؟

قد “تكون لهذا السؤالِ الهام إيجابات”(مقترحة) متعددة، وهي في سبيل إيجاد حل شافٍ مستديم لهذه المسألة العويصة، التي إن نالت شيئاً من الشهرة العالمية الآن، فهي أساساً في الوجود منذ مدة طويلة، وإن لم تكن تحظى بشهرة بالتي تستحقها منذ البدء.

ولعل من أهم الأسباب بهذه الحالة التي أشرت إليها ما كانت تُعاني المنطقة من تهميش في دراية العالَم وقلّة علمه بها وبشؤونها، وبالأحوال المتواجدة فيها، وأسبابها. أما عن استفساركم عن رؤيتي عن هذا الموضوع، فلقد حصل إنه كنت قمتُ قبل عدة سنوات بإعداد ونشر رؤية عامة عن هذا الموضوع، وقد يكون أنها مرّت بنظركم أيضاً؟

وعلى كلّ حال، عليّ بالذكر هنا إجابةً على سؤالكم هذا بأن قد يكون أنه نحن في منطقتنا نُعْدُ شعباً بسيطاً ومتواضعاً الآن بصرفِ النظر عن تاريخنا المجيد وانجازاتنا منذ أقدم العصور.لقد شَهد بها حتى المؤرخون اليونانيون القدماء والرومان الذين ذكروا بأن منطقتنا في يومها كانت تُعتبر من أغنى المناطق في العالَم، وأكثرها تطوراً وازدهاراً إلى أخره.

ومن المصادر التي شَهدت بذلك من باب المثال وفقاً لإطلاعي المتواضع الحاكم الروماني لمصر أيليوس جالوس، وذلك في تقرير له عام 24 قبل الميلاد على ما أتذكر.وهذا بجانب إشارات بينّة إلى ما كنّا نتمتعُ به من أهميةٍ في تلك العصور في الكُتب السماوية بما فيها أسفار(العهد القديم) والقرآن الكريم.

ولنعد إلى إجابة السؤال. وفي سبيل ذلك، عليّ بالذكر وبالاختصار هنا، أن الكلّ يعلم لكن قرر أن يتجاهله لسببٍ ما، لأن ميثاق هيئة الأمم يضَمْن لجميع الشعوب بصرف النظر عن الإشارة إلى حجمها أو تعدادها أو أهميتها السياسية والاقتصادية حق تقرير المصير والعيش الكريم في ضمانٍ وأمان دون المساس بمصالحِ الغير المشروعة.

إذاً، ألا يجب علينا أن نقتدي بهذه المفاهيم والقيم الإنسانية النبيلة، ونتمسّك ونَستَعين بها ونستفيد منها متمتعين في ذلك في نفس الحين بتأييد الضمير والفكر الإنساني العالمي المُترتب على التبنّي من قبلنا لهذا المسلك، الذي سوف يضطر لدى لجوئنا إليه بتأييدنا ومساعدتنا في تحقيق هذه التطلعات الأساسية البسيط المشروعة، التي تَعُد من حق كلّ إنسان باعتراف الجميع؟، وهنا، يجب علينا أن نتذكر، لأن يبدو لي في أحيان كثيرة أننا نسيناه، أن توجد هناك حقاً وحقيقياً قرارات أممية خاصة بنا، كان هدفها ضَمان وتحقيق أمانينا وتطلعاتنا هذه، والتي وللأسف لم تُنفذ في حينها لأسباب لا داعي للخوض فيها الآن.

والإشارة هنا من قبلي إلى تلك منها التي صَدرت عام 1963م، وأهمّ ما كانت نَصّت به هو منح شعب المنطقة حق تقرير مصيره السياسي وشكله الاجتماعي المستقبلي، وذلك عبر الاطلاع على رغبته بإجراء استفتاء تحت إشرافٍ أممي يُحقق لمن يخصهم الأمر مطلباً أساسياً هاماً (لم يتم إلى الآن)، ويُعاني بسببه أبناء المنطقة بشكلٍ متزايدٍ يومي.

وفي هذا المضمار، عليّ بالاعتراف بكل صراحةٍ بأنني أستغربُ على هذا (التجاوز) الذي قد يكون ينبثق من حالةِ جهلٍ فكري وسياسي من طرفنا في عدم تمسّكنا في هذه الوسائل الإنسانية والقانونية الشريفة (النبيلة)، والإصرار على المطالبة بكلّ الوسائل والأساليب السلمية الملائمة بتنفيذها؟ حيث يجب أن يتكامن فيها حسب تقديري المتواضع المفتاح لمستقبل آمن ومشرق بعون الله وبمشيئته لأبناء المنطقة.

وبالاختصار وكما ذكرتُ، فإنني إذ أرى بكل صدق وأمانة، أن الحل الأساسي لمشكلة المنطقة وبشكلٍ نهائي، وعلى الأقل مشروعاته السليمة تتكامل بالتنفيذ بالأول لهذا القرار الأممي الصادر دون غيره، وما سواه يَعْدُ جانبياً مقارنة ً بأهمية هذه الخطوة.

وفي نفس الوقت وللأهمية، يجب علينا ألا ننسى بأننا جزءٌ لا يتجزأ منذ فجر التاريخ بمشيئة المولى من نسيج هذه البيئة (بيئة شبه الجزيرة العربية) من جميع النواحي، وهو أمرٌ لا مفر لنا منه والاعتراف به.

وهذا عامل له أهمية استثنائية، وبالذات في هذا العصر، عصر العولمة، الذي يؤمن بوضع الحدود والعوامل السياسية على جنب، وبمنح الأولوية لتخطيط لتحقيق تكامل اقتصادي واجتماعي يؤديان معاً حافزاً لتحقيق كلّ ما نتمناه ونود نصب إليه.

وعليّ بالاقتراح هنا أنه يجب على كلّ فرد منا النظر إلى واقع حالته ومن هم حواليه، ويتمعّن فكرياً في أسبابها وفي العلاج لها، وماذا يريد تحقيقه في الأخير من أهداف حيوية تَضْمَنُ له ولغيره من إخوته على السواء العيش الكريم الذي يتطلع إليه.

وأن يقتدي مخلصاً وبأمانة ودون تردد بنتيجة تحليله، ويصوّب خطأه خالياً من عناصر الأنانية، وهذا أمرٌ صعب لكثير منّا، وبالذات في الظروف الراهنة، تجاه تحقيق ذلك، وعدم الانجراف إلى كلّ ما (قيِل وقال) من شعارات في الغالب تكون مؤقتة المفعولية ومغرضة أيضاً في كثير من الأحيان.

علينا أن نعلم جيداً أيضاً أن هذه التطلعات لن تتحقق إلا إذا وِجْدَت قيادة لائقة خالية من الأنانية والتحزّب في أي شكل كان، وتضع المصلحة العامة فوق أغراضها الشخصية وبالذات في هذه الظروف المتأزمة، فنحن أمة واحدة نواجه ونُعاني معاً من نفس المشاكل، وهذا أمرٌ لا مفرّ منه إن أردنا النجاة والخير لأنفسنا.

وأن يكون كلّ ذلك بالطبع مع أخذ خواطر وهموم الدول الأخرى الهامة بالنسبة لنا في المنطقة، وهي بعيننا جزءٌ لا يتجزأ من هذا النسيج الشامل لنا. والإشارة هنا بالأخص إلى تلك منها التي تبدو مهتمة مخلصاً لمساعدتنا من أجل تحقيق ما فيه كلّ خير للجميع. وهذه تُعتبر مشاعر إنسانية أخوية ونبيلة منها وأحق بتقديرنا وشكرنا .

وكذا الدول الأخرى التي تتظاهر صدقاً بالاهتمام بأمر وضعنا. ولايعلم بحقيقته إلا الله العليم الخبير، وأتمنى للجميع التوفيق والسداد في تحقيق ما تَصْبُ إليه خواطرنا لصالح الكل على المدى القصير والطويل.

ماهي الأسباب في رأيكم التي أدت إلى الخمول السياسي لدى الشخصيات الاعتبارية؟

لا أفضل – مع تقديم الاعتذار – محاولة الإجابة على هذا السؤال إذا لا يوجد لديكم مانعاً.

ماهي أسباب الارتباك والاضطراب المتواجد في السياحة السياسية اليوم؟

وفقاً لتقديري المتواضع، أرى أنه حضرت الأنانية والمصالح المغرضة، بمفهوم وضع المصلحة الشخصية فوق المصلحة العامة المتكامن بِنُسْب مختلفة في الكثير منّا كما ذكرت، والذي قد لايَعْـدُ مناسباً للعب الأدوار المطلوبة بالضرورة في هذه الظروف، يجب التخلي عنها، مع التقييم الأمين للكفاءات المطلوبة للاستفادة منها كما قد يتطلب الأمر، وأن نَبـْتعد عن إعطاء الطموحات الشخصية المجردة بحالها المجال للعب أدوار غير مضمونة، فقد يحدث أن حالمها تقدم بفرض نفسه، مستغلاً الظروف المتاحة أمامه.

ماهي نصائحك للمبتدئين ولجميع الأطراف بالمنطقة؟

نصيحتي لأبناء المنطقة بكاملها وبالاختصار التمسّك والتحليّ بالشرعية الدولية، وبمبادئ وقوانين حقوق الإنسان المعترف بها نصاً عالمياً. وإذا تحصنا واعتصمنا بتمسّكها في مساعينا لتحقيق أهدافنا الحيوية والمصيرية، سوف نجد ما يُبشر بكلّ خير ٍ بإذن الله.

وميثاق هيئة الأمم يَمنحُ ويَضْمن لكل الشعوب حق تحقيق مصيرها، وهذا أمرٌ حُرمْنا للأسف من تحقيقه إلى الآن؟ ويجب علينا أن نلوم أنفسنا بالأول قبل الغير على ذلك وكلٌ يعلم أن المناطق التي كانت تحت الحكم المباشر أو الحماية والنفوذ البريطاني لم تحظَ بحرية اختيار شكل الحكم وتقرير مصيرها المستقبلي قبل مَنح الاستقلال وفقاً لهذا الميثاق الأممي النبيل والمقررت الخاصة الصادرة منها بشأنها في عام 1963م.

ومُنحت المنطقة استقلالها دون تحقيق هذا الأمر بصرف النظر عن أهميته وخطورة أبعاده. وكما ذكرت سابقاً، أهم ما كانت نَصّت عليه هذه القرارات المصيرية بكل وضوح هو مَنح أبناء المنطقة المُشار إليها حقهم الطبيعي الإنساني المشروع في الأمر المذكور، الذي هو اختيار شكل الحكم المرغوب من قبله عبر استفتاء.

وبالمقابل، الذي كان حصل للأسف أنه لم يتحقق شيئ من هذا رغم التزام الأطراف المعنية، وعلى رأسها بريطانيا، بالتقيّد بها.حيث دخلت بريطانيا في اتفاق ثنائي مع الجبهة القومية وهي طرف واحد من ضِمْن الأطراف السياسية الأخرى المعترف بها من قبل هيئة الأمم بصفة طرف سياسي مقبول لديها، وتآمرت لتسليم الحكم لها بمنفردة مقابل تنازلات سياسية ومالية منها تحقق لبريطانيا أهدافها وأغراضها التي كانت قصيرة المدى كما أثبت التاريخ، وذلك على حساب الأطراف السياسية المتواجدة الأخرى، وأكبر من ذلك، على حساب مصالح ومستقبل شعب المنطقة، الذي مازال يُعاني إلى الآن من نتائج هذه الجناية الكبرى على حساب مصيره ومستقبله.

وأذكر هنا من باب الإفادة أن جميع الأطراف السياسية في المنطقة كانت قد اعترفت قبل هذه الأحداث بالمقررات الأممية المُشار إليها، سواء حكومة اتحاد الجنوب العربي، أو سلاطين حضرموت والمهرة، وحزب الرابطة، وجبهة التحرير إضافة إلى بريطانيا؟ وكانت تنتظر تحقيقها تحت إشراف دولي .وكلّ ذلك لم يتم للأسف للأسباب المذكورة، وبالنتيجة التي يعلمها الجميع.

لقد دفع الشعب ثمناً باهضاً بسبب هذا (التجاوز) والاهمال السياسي، كما مازال يعاني من نتائجه.

وأكرر هنا مرة أخرى كما ذكرتُ سابقاً، أن الحلّ الوحيد الذي فيه خلاص المنطقة من هذا المأزق لا يتواجد كما أرى سواء في العودة إلى هذا القرار الأساسي والاستفادة من تنفيذه، وأن يكون ذلك كما أشرتُ بأساليب سليمة قانونياً في ظل إشراف أممي دولي، حتى لا يكون هناك خلاف حول شرعيته.

وإذا تم ذلك، سوف يلاقي أبناء المنطقة الحل المستديم لمعاناتهم ومشاكلهم بإذن الله وعونه، وتجد فيه الدول المجاورة، أيضاً ونحن وإياها من نسيج واحد، ما يرضي خواطرها وآمالها الخيّرة لنا ولمستقبلنا بحكم أن نحن منهم سواء في السراء أو الضراء وهم منّا.

وأريد الإضافة هنا مرة أخرى إلى ما سبق بأن لن تنجح هذه العملية إلا إذا استصلحت النوايا مع التنازل عن الأنانية والأهداف الشخصية المغرضة، وإبداء الحب للخير من قبل كل فرد تجاه أخيه بالتساوي مع نفسه، والتنازل عن الحزازات والمماحكات السابقة والتعامل مع البعض بالتسامح، والتركيز على أهداف المستقبل التي تهم كلاً منا دون استثناء.

ولا أرى في هذا الاقتراح حسب تقديري المتواضع أي مضرّة لأي مسمى  كان، وذلك بالأول لأنه مبني في أساسه على مقومات شرعية راسخة معترف بها دولياً، مصونة بزيّ قانوني، ويخص شعب المنطقة ومصالحه دون المساس بحقوق مصالح الغير المشروعة . هذا، والله الذي يعود كلّ أمر ٍ إليه، هو عليه الاتكال الهادي والموفق .

هل القرارات الأممية بشكل عام أو خاص، وبالذات تلك التي صَدرت في عام 1963 م كافية لوضع الحلول للمنطقة؟

الرد على سؤالكم هذا باختصار بعد ما قد سبقت من إطاله وتكرار بالغ لكل ما تم تناوله، والذي كان بالأول من باب الإلحاح والتنبيه، والذي أطلب عليه المعذرة.

وأجابتي هنا أنه إن تحقق هذا الأمر، فهو سيكون بمثابة بوابة لبناء مستقبل مضمون لنا بمشيئة الله.

حيث أنه سيمكّنا أيضاً بالتفاعل مع كل ما قد تجري من تطورات في العالم في كل مرحلة، وذلك وفقاً لمتطلبات الساعة وإنعكاساتها على مصالحنا.كما أريد أن ألحُّ هنا على أننا جزء من نسيج شبه الجزيرة العربية وهو مستقبلنا على المدى الطويل الذي نتطلع إليه، لايوجد سوء في الاقتراب والانتماء إلى أسرة دول مجلس التعاون أسوة ببقية الأعضاء من الدول، والإعداد لذلك .والله ولي التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى