عاصفة الحزم .. مسارات وقرارات تاريخية

عدن24 | خاص

 

لعبت عدة عوامل محلية في اليمن إضافة إلى السياق الإقليمي، دورًا بارزًا في التعجيل بالتدخل العسكري السعودي، من بينها تقدم الحوثيين وعلي عبد الله صالح صوب عدن ومحاولتهم إسقاط الرئيس عبد ربه منصور، الذي جاء للسلطة وفقًا للمبادرة الخليجية؛ الأمر الذي لم تكن القيادة السعودية لتسمح به.

وجاء التحالف الذي تقوده السعودية ليعيد المملكة إلى صدارة المشهد الإقليمي كدولة رئيسية وفاعلة في المنطقة استطاعت أن تشكل تحالفًا يضم دولًا عربية وإسلامية في ظرف أيام معدودة، كما أن من شأنه تغيير خارطة موازين القوى في المشهد اليمني التي ستشهد أفول قوى وصعود أخرى خلال الأيام القليلة القادمة.

 

عوامل هبوب العاصفة محلياً: انقلاب الحوثيين على المبادرة الخليجية

نظرت المملكة العربية السعودية إلى سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول 2014 من منظور صراعها الإقليمي مع إيران، حيث يمثل الحوثيون حليفًا هامًا لإيران في اليمن. وعلى الرغم من ذلك عملت القيادة السعودية على احتواء هذا التوسع، وذلك بالاعتراف بـ «اتفاق السلم والشراكة» الذي أُبرِم بقيادة جمال بن عمر، المبعوث الأممي في اليمن، بعد سقوط صنعاء بيد الحوثي، وهو الذي جاء ليعترف بتغير في المشهد اليمني، ويضع الحوثي شريكا في الحكومة الجديدة مقابل انسحابه من العاصمة صنعاء وإعادة الأسلحة التي نهبتها مليشياته للدولة.

إلا أن الحوثيين عوضا عن ذلك، واصلوا تمددهم العسكري صوب المحافظات الأخرى في إطار استكمال خطواتهم للهيمنة على السلطة والدولة في اليمن.

في الوقت ذاته، عملت السعودية على التعجيل باستكمال متطلبات المرحلة الانتقالية، وذلك بنقل عمل اللجنة المختصة بوضع الدستور إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي للانتهاء من وضع الدستور والاستفتاء عليه، يليه الإعداد لانتخابات رئاسية جديدة تنقل الصراع من الحيز العسكري إلى الحيز السياسي، وتُـجنب المملكة مغبة الصراع المحتمل على حدودها الجنوبية في اليمن.

وفور انتهاء اللجنة في يناير/كانون الثاني 2015 من وضع الدستور الذي أقر الشكل الفيدرالي للدولة بستة أقاليم – وهو الأمر الذي تعارضه جماعة الحوثي بشدة نظرًا لكونه يختزل سلطتها في إقليم شحيح الموارد – وأثناء عرض مسودة الدستور للنقاش، قامت جماعة الحوثي في السابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2015 باختطاف أحمد عوض بن مبارك، رئيس لجنة صياغة الدستور، ومدير مكتب الرئيس، وذلك أثناء ذهابه لجلسة مناقشة المسودة، معلنة رفضها القاطع للوثيقة. تلا ذلك هجوم مليشيات الحوثي على دار الرئاسة ووضع رئيس الجمهورية عبدربه منصور تحت الإقامة الجبرية. وفي الحادي والعشرين من يناير/كانون الثاني، قدم الرئيس عبد ربه منصور استقالته لمجلس النواب اليمني متزامنة مع استقالة رئيس الحكومة خالد بحاح.

مثلت هذه الخطوة انقلابًا كاملًا على المبادرة الخليجية والشرعية، وبدا أن «سياسية الاحتواء» التي انتهجتها الدبلوماسية السعودية لم تفلح في كبح جماح الحوثيين الذين ذهبوا إلى حد إصدار إعلان دستوري حل بموجبه البرلمان اليمني، وأعلنت عن تشكيل لجان ثورية تختص بتعيين مجلس رئاسي وبرلمان مؤقت؛ الخطوة التي لم تنل أي اعتراف دولي سوى من جمهورية إيران. وقد شهدت بعدها العاصمة صنعاء مغادرة البعثات الدبلوماسية الدولية منها واحدة تلو الأخرى.

إلا أن التغير الذي أربك حسابات الحوثيين كان تمكن الرئيس عبد ربه من مغادرة صنعاء بعد أسابيع من وضعه تحت الإقامة الجبرية ووصوله إلى عدن، حيث أعلن عبد ربه منصور تراجعه عن الاستقالة وعودته إلى أداء مهامه كرئيس جمهورية من محافظة عدن؛ وهي الخطوة التي لاقت اعترافًا وقبولا دوليا.

وإزاء هذا المشهد، كان من الجلي أن الأمور في اليمن ستتجه نحو الصدام المسلح بين سلطتين تسعى كل منهما لفرض سيطرتها على اليمن؛ إلا أن عبد ربه لم يسعفه الوقت لترتيب صفوف قواته العسكرية الموالية له. فقد بدا أن تحالف الحوثي وعلي صالح يسعى جاهدًا إلى فرض سلطة الأمر الواقع قبل تعاظم قوة الرئيس عبد ربه ووصول دعم إقليمي ودولي إلى عدن، حيث بدأت القوات العسكرية لهذا التحالف اجتياحًا بريًا لجنوب اليمن الأمر الذي استدعى من الرئيس عبد ربه هادي طلب التدخل من الخليج لحماية الشرعية السياسية. وهو ما حدث في صباح يوم الخميس السادس والعشرين من شهر مارس/آذار 2015.

 

عوامل هبوب العاصفة إقليميًا

  1. قيادة جديدة للسعودية وسياسة خارجية جديدة:

جاء التدخل السعودي بعد شهرين من تغييرات جذرية في هيكل السلطة في المملكة العربية السعودية إثر تولي الملك سلمان عرش المملكة، حيث بدا أن القيادة الجديدة تحمل رؤية جديدة ومختلفة عن سابقتها للتحديات التي تشهدها المنطقة. فقد تراجعت المخاوف من صعود الإسلام السياسي عقب الربيع العربي ليحتل مكانها مسألة التوسع الإيراني الذي وصل مداه إلى جنوب الخليج العربي مع استيلاء الحوثيين على صنعاء.

القيادة الشابة الجديدة تبدو أكثر حيوية واندفاعًا من سابقتها. وتحمل هذه القيادة عقيدة جديدة للسياسة الخارجية السعودية تقوم على أساس مركزية الدور السعودي وإمكانية التدخل العسكري لمعالجة الأزمات التي تعصف بالمنطقة؛ وهو أمر لم تعرفه السياسة السعودية من قبل.

وكانت القيادة الجديدة قد ورثت تركة ثقيلة جراء التمدد الإيراني الحثيث في المنطقة، والصراع مع تيار الإسلام السياسي والدول المتحالفة معه كتركيا وقطر؛ فبدأت بمعاجلة هذه الملفات وإعادة ترتيب أولوياتها على الصعيد الدولي ليحتل الخطر الإيراني رأس قائمة التحديات التي تواجه المملكة. وعلى هذا الأساس بنت استراتيجيتها الجديدة .

  1. الاتفاق النووي وعاصفة الحزم:

لم تكن التطورات التي تشهدها طاولة حوار «لوزان 2» بين إيران و«دول 5 + 1»، حول المشروع النووي الإيراني، بعيدة عن الحملة العسكرية التي شنتها السعودية مع دول أخرى في اليمن. فجولة لوزان هذه حاسمة ومصيرية، وأفرزت إبرام اتفاق مبدئي بين إيران والدول الكبرى؛ الأمر الذي من شأنه أن يوسع مدى النفوذ الإيراني في المنطقة.

وتأتي الحملة العسكرية لتزيد من تعقيد المفاوضات بين إيران والغرب؛ خاصة مع دعم أمريكا للعملية العسكرية في اليمن، وهي التي تستهدف حليف إيران، جماعة الحوثي، ما سيثير المزيد من التوجس والشكوك الموجودة أساسًا لدى الطرفين حول مدى جدية أمريكا في إبرام اتفاق شامل مع إيران يعيد ترتيب الحلفاء والأوضاع في المنطقة.

ومن المتوقع في حال إبرام الاتفاق المرتقب، أن يُصعِّد جمهورية إيران إلى مرتبة الحليف الاستراتيجي الجديد لأمريكا في المنطقة؛ حيث لن يتوقف الاتفاق على المسألة النووية، بل سيشمل الملفات الاقليمية الشائكة والمعقدة وإبرام صفقات كبرى من شأنها إعادة تقسيم النفوذ في المنطقة بين إيران والغرب على حساب دول مجلس التعاون الخليجي.

لم يكن اختيار توقيت العملية، إذًا، ليتزامن مع جلسة المفاوضات الأخيرة بين دول (5 +1 ) وإيران، بصدفة عابرة؛ بل جاء ليبعث برسائل مفادها أن المملكة عازمة على حماية أمنها القومي، وبكافة الوسائل الممكنة، وإن استدعى ذلك التحرك بشيء من الحرية بعيدًا عن الترتيبات الأمريكية في المنطقة.

 

أهداف العملية العسكرية “عاصفة الحزم”

تتلخص أهداف العملية على الصعيد اليمني في إعادة تثبيت شرعية الرئيس عبدربه هادي؛ علاوة على ذلك، فإن العملية تستهدف أيضاً خروج الحوثيين من المدن التي استولوا عليها إبان تمددهم العسكري في الفترة الماضية، فضلاً عن تسليمهم للأسلحة التي بحوزتهم إلى لجان عسكرية يشكلها الرئيس عبد ربه هادي بدون قيد أو شرط.

وبرغم أن هذه الأهداف تبدو صعبة التحقق بدون تدخل عسكري بري، فإن الأمين العام لدول مجلس التعاون عبد اللطيف الزياني  صرح أثناء مؤتمر القمة العربي الذي جرى في شرم الشيخ أنه ما زال أمام الحوثيين وصالح فرصة للقبول بهذه الشروط والعودة إلى طاولة الحوار السياسي دون الحاجة إلى استكمال مسار العمليات العسكرية.

أما على الصعيد الإقليمي فإن التحالف المكون من دول عربية وإسلامية لا تقف أهدافه عند حدود الأزمة اليمنية فحسب، بل يتجاوزه ليشمل إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة، لينشأ بذلك محور جديد يهدف إلى وقف التمدد الإيراني في المنطقة وتعزيز مواقف حلفائها في المناطق التي تشهد توسع النفوذ الإيراني.

 

مسارات عاصفة الحزم

يرتبط مسار العمليات بمدى تحقق الأهداف التي حددتها قيادة المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن هذه الأهداف لا تعني سوى استسلام الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح، وهو أمر غير متوقع حاليًا، فإن إمكانية الحل السياسي ما زالت قائمة وممكنة رغم أن فرصه تبدو ضئيلة جدًا.

 

  1. خيار التصعيد العسكري والتدخل البري:

يبدو سيناريو تصعيد العمليات العسكرية وصولًا إلى التدخل البري هو الأقرب والأكثر احتمالًا في ظل رفض الحوثيين الانسحاب من المدن ومماطلتهة علي عبد الله صالح بالدعوة إلى وقف الهجمات والعودة إلى الحوار دون تحقيق مطالب الحملة.

وفيما يبدو، فإن مدينة عدن قد تكون مسرحًا للتدخل البري بهدف تثبيت الأوضاع فيها تمهيدًا لعودة الرئيس عبدربه منصور هادي إليها ليتولى بعد ذلك قيادة العملية السياسية والعسكرية من العاصمة المؤقتة عدن. أما في الشمال الذي يتسم بطبيعة جبلية معقدة وصعبة للغاية فإن التدخل البري قد يكون مكلفًا وعسيرًا بالنسبة للتحالف. وعليه، فإن خيار تشكيل جبهة عسكرية قبلية ودعمها لوجستيًا وتوفير غطاء جوي هو الخيار الأمثل للتحالف الذي سيجد صعوبات بالغة في التعامل مع هكذا جغرافيا معقدة.

  1. توقف العملية العسكرية والعودة إلى الحوار

تبدو فرص هذا الخيار ضئيلة نظرًا للرفض الحوثي القاطع لشروط الحملة العسكرية؛ إلا أن بالإمكان نظريًا الوصول إلى صيغة تضمن للحوثي المشاركة السياسية وإدماج جزء من قواته في الجيش مقابل انسحابه من العاصمة صنعاء واعترافه بشرعية هادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى