“الحديدة”.. والوسيط النزيه

كتب | محمد خلفان الصوافي

الكل يعرف أن مارتن غريفيث الذي يقوم بتكليف دولي من أجل التقريب في وجهات النظر بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وبين ميليشيا الحوثيين الانقلابيين المدعومين من النظام الإيراني، جاء بديلاً لإسماعيل ولد الشيخ أحمد بعد ما أدرك أن المعرقل للحل السياسي هو الحوثي الذي لا يملك قراره، حتى لو تعهد بوعود مع المجتمع الدولي.

هذه الأيام، منذ التوقيع على اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر الماضي، يتكرر المشهد مع السيد غريفيث، الأمر الذي تطلب تدخل وزير الخارجية البريطاني هانت جيرمن ليضغط على الحوثيين لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في العاصمة السويدية برعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

وبعد تقارب وجهات النظر بين الدول الأربع ذات العلاقة بالملف اليمني، السعودية والإمارات والولايات المتحدة، وبريطانيا على هامش اجتماع وارسو حول وقف إطلاق النار مقابل الانسحاب العسكري للحوثيين من الميناء، يخرج غريفيث بانطباع لا يختلف عما خرج به ولد الشيخ، وهو أن الحوثيين لا يريدون إنهاء الأزمة بالحل السياسي لأن القرار ليس لديهم.

الجديد في الأزمة اليمنية أن الصورة الأولى التي انطبعت إعلامياً عن جولة وزير الخارجية البريطاني التي بدأها بسلطنة عمان ثم الإمارات والسعودية، أنها جاءت بعد أن غيّرت حكومة بلاده مزاجها السياسي تجاه المسبب الأول للفوضى في المنطقة، وهو النظام الإيراني وصاحب القرار الحقيقي لتعنّت الحوثيين لا سيما وأن الزيارة أعقبت تصنيف لندن لـ«حزب الله اللبناني» بأنه تنظيم إرهابي.

كما انطبعت الصورة أيضاً بأن الموقف البريطاني سيظهر، هذه المرة، حزماً حقيقياً يجبر فيه الحوثيين على الانصياع للقرارات الدولية والانسحاب من مدينة الحديدة، وبالتالي يتم تسليمها إلى الحكومة الشرعية لأن الحوثيين استغلوا اللين السياسي البريطاني.

إلا أن تصريحات جيرمن التي اقترح فيها بتسليم الحديدة لطرف ثالث، أثارت تسريبات سياسية وإعلامية تحوم حول نزاهة موقف المبعوث الدولي البريطاني عن وجود نوايا سياسية تتجاوز دوره الدولي، مع أنه يفترض أن الزيارة كان جزء منها تبديد تلك الشكوك عن وجود مصلحة للحكومة البريطانية في اليمن أو هكذا يفترض.

حالياً، فإن العبارة الأكثر ترديداً فيما يخص هذا الملف لم تعد فقط حول التعنت الحوثي، ولكن أيضاً نزاهة الوسيط البريطاني ودور الحكومة البريطانية معه على اعتبار أن لندن بدأت ترتب لمرحلة ما بعد «البريكست» والخروج من الاتحاد الأوروبي.

حيث ينبغي عليها إعادة ترتيب دورها الدولي في العالم، من خلال استعادة بعض المناطق الاستراتيجية التي كانت تشرف عليها وتدرك أهميتها في الاستراتيجية العالمية، ومنها الموانئ المطلة على المنافذ الدولية مثل الحديدة.

إذاً القلق هنا أن يكون الوسيط الدولي أو وزير الخارجية البريطاني أكثر انحيازاً لطموحات بلاده أو ترتيبات لها علاقة بعيدة عن الهدف الدولي وهو المأساة الإنسانية هناك، من خلال إخراج التأثير الإيراني من دون الخيار العسكري لأن هذا كله سيكون له نتائج وتبعات عكسية ومضاعفات ستؤدي للأسوأ حيث إن منطق القوة سيفرض نفسه في حالة استمرار التعنّت الحوثي لأن دول المنطقة لن تسمح بوجود إيراني هناك.

وما يبدو من تصريحات المسؤولين اليمنيين المنزعجة أنهم لن يقبلوا إلا استعادة مدينة الحديدة بالكامل للسلطة الشرعية من دون أن يكون لأي طرف ثالث دور في عملية الانتقال لأن حدوث هذا الخيار سيكون السيناريو المتبع اضطراب سياسي ضخم في المنطقة قد يتجاوز الحدود الجغرافية اليمنية إلى جوارها الأفريقي والآسيوي.

كما يبدو من التحفظ للدول الإقليمية أن هناك قلقاً من صراحة الموقف البريطاني ووضوحه، لأن قرارات ستوكهولم أكدت تسليم مدينة الحديدة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهذا الجانب هو الوحيد المطلوب أن يركّز عليه الوسيط الدولي أو أي مساع أخرى.

غير ذلك، فإن موقف بريطانيا من هذه القضية سيجعلها في نظر المراقبين للوضع اليمني، وسيطاً مشكوكاً في نزاهته، وفي رعايتها الدور الدولي بهذه القضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى