مصلحة الهجرة والجوازات بعدن .. شراهة  المال على حساب البسطاء

نموذج عملي من فساد الحكومة اليمنية ..

مواطنون: عندما تتوجه لنوافذ المعاملات في المبنى تصطدم بالعقبات ليتلقفك السماسرة

يتحجج موظفو المصلحة بعدم توفر البطائق والأوراق.. فمن أين يأتي بها السماسرة؟

_ الرشوة والسمسرة، فساد ينخر في عظم المواطن البسيط دون رحمة ولا شفقة من حكومة يمنية أهلكت الحرث والنسل

(المسألة فوضى وأكل فلوس)

 

عدن24| حنان يحيى

ليس من سمع كمن رأى، فالمنظر غريب، وجوه شاحبة يملؤها التعب والانهاك الممزوجين بالصبر الطويل والمعاناة المريرة، بهكذا حال يتجمع كم كبير من المواطنين على عتبات أبواب مبنى الهجرة والجوازات بمديرية صيرة في العاصمة عدن، ومنهم من يجلس على حافة الطريق في انتظار دورهم بالدخول لإتمام معاملاتهم التي طال انتظارهم وسعيهم لإنهائها.

في مبنى الهجرة والجوازات قصص وحكايات، ولكل حكاية تفاصيل مثيرة تجسد فساداً مستشرياً جعله مأوى لكثير من سماسرة المعاملات فحولوه بدورهم مكاناً لطلب الرزق وإن كان على حساب المواطنين البسطاء.

هنا تكمن مشكلة الآلاف من المواطنين الوافدين من مناطق جنوبية مختلفة إضافة إلى بعض أبناء المناطق الشمالية، إذ يعانون الأمرين في هذا المرفق الذي يمثل هوية ونموذج الدولة اليمنية العميقة الموغلة بالفساد، لكن كيف للباحث عن هوية ضائعة لم تعد موجودة على حقيقتها أن يدركها في دولة فقدت هويتها ولم تستطع أن تثبتها حتى اللحظة وأصبح الشعب يبحث عن حريته ودولته السابقة الجنوب العربي.

استياء بصمت

وبصمت بدى الاستياء مخيما على المكان الذي لا يجرؤ أحد على الحديث فيه بسوء عن تلك العصابات اللصوصية التي تتحكم هنا وهناك، أما المواطنون فأعينهم اليائسة حكت الكثير عن بؤس حالهم، واضعين أكفهم على خدودهم بمشهد يقول: إلى متى ضيق الحال بل إلى متى حالنا من سيئ لأسوأ، وإلى متى يتحكم بنا شرذمة القوم.

عند مرورك بالقرب من مصلحة الهجرة والجوازات لا ترى مكانا تابعا للحكومة بل ترى سوقا شعبية يفترش فيها الباعة المتجولون وتنتشر فيها المقاهي الشعبية والبوفيات والمكتبات التي تحتوي على آلات للطباعة، وأصبح مكاناً لكسب الرزق لبعض البسطاء بسبب تكدس الناس في المكان لساعات طويلة من النهار، هذا التكدس الذي يؤكد فشل الحكومة اليمنية في كل شيء.

فهذه المؤسسة الحكومية التي استشرى فيها الفساد بشكل كبير ودون حدود أو ضوابط أخلاقية ولا انسانية ولا رقابية، أصبحت اليوم مرتعاً وتجمعاً امناً للكثير من اللصوص والسماسرة الذين يستغلون حاجة المواطنين البسطاء الباحثين عن وثائق هوياتهم وانتمائهم لبلدهم او جوازات سفر يرنون استخراجها بسبب الحاجة للسفر إلى خارج البلاد طلباً للعلاج.

وفي هذا التقرير ننقل لكم جزءا بسيطا عن هذه المعاناة وعن هذا الفساد الذي نخر في عظم المواطن البسيط دون رحمة ولا شفقة.

عند وصولنا إلى مصلحة الهجرة والجوازات بدا الخوف مسيطرا على بعض المواطنين لحظة أن بدأنا بالتعريف عن أنفسنا لهم من أجل نقل معاناتهم للرأي العام أو لمن تبقى لديه ضمير من المسؤولين في الحكومة اليمنية، لعلنا نخفف من وطء المعاناة التي يتجرع مرارتها الكثير من المواطنين في تلك المؤسسة الحكومية من أجل المتابعة لاستخراج أوراقهم الثبوتية واتمام المعاملات التي لا تنفك تتعثر ويطول أمدها، بسبب جشع من بسط ذراعه عليها.

وإليكم بعض من معاناة الناس، وهنا نتحفظ عن ذكر الأسماء لأسباب تخص سلامة من تحدثوا إلينا.

صور مؤلمة

من فناء مبنى السجل المدني (الحوش) كانت البداية للعين أن تلتقط ما تستطيع من الصور لأولئك الذين تجبرهم الحاجة من الرجال والنساء على الانتظار لساعات طويلة سواء لاستكمال المعاملة أو الاستلام، ليقال لهم في نهاية الدوام عودوا غداً.

وفي جدار المبنى تعلق قوائم اسماء الذين تم استكمال معاملتهم ومن لم يجد اسمه ضمن القائمة عليه العودة مرة أخرى للمتابعة، مشهد يعود بمن شاهده إلى سنوات قد مضت لطلاب الجامعات او المعاهد أثناء متابعاتهم لدرجاتهم.

وبجانب قوائم الاسماء التي تم تعليقها كان يقف شخص لم يتجاوز عمره ثلاثين عاما يقرأ تارة ثم يعود تارة أخرى لعله يصادفه الحظ ويتمكن من استلام بطاقته الشخصية لكن لا جدوى من كل هذا، اقتربنا منه وبدأ الحديث، لم يدع لنا مجالاً للسؤال ليبادرنا بالقول “٤٠” ألفاً لم تكن كفيلة بالنجاة من هذا التعب.

وأضاف “أتيت إلى هذا المكان (الهجرة والجوازات) من أجل استخراج جواز سفر وبطاقة شخصية كوني عازماً على السفر إلى خارج البلاد بغية العمل لإعالة اسرتي التي تكالبت عليها الظروف المعيشية بقسوة.

وتابع “من أجل أن استخرج جوازي وبطاقتي بأقل وقت طلب مني ٤٠ ألف ريال لكني كما تشاهدون أتردد على هذا المكان لعلي أجد اسمي ضمن القائمة لكني لم أجده وسأظل هنا حتى انتهاء الدوام.

مشهد مألوف

عندما يستوقفك المقام أمام الهجرة والجوازات يطالعك مشهد لأناس من مختلف الألوان والاشكال تظهر عليهم وعثاء السفر ويكتظ بهم المكان، لكل واحد منهم حكاية تحكي الكثير عن الفساد القائم في ذلك المبنى الحكومي.

وهنا يقول أحدهم: إنه مشهد متجدد ومألوف لدى كل من قصد مبنى الهجرة والجوازات لإتمام أي معاملة، فعندما تتوجه لنوافذ المعاملات في المبنى تصطدم بكثير من العقبات ليتلقفك أحد السماسرة المتواجدين في المكان وبدون رحمة يبدأ بامتصاص كل ما تملك ليتم لك جميع الاجراءات المطلوبة وانهاء المعاملة.

واضاف: توجهت ذات مرة لاستخراج بطاقة شخصية وقد كنت بحاجة ماسة لاستخراجها بأسرع وقت ولكن الاجراءات أخذت مني قرابة الشهر ليقال لي بعدها ملفك جاهز ولكن الكروت غير متوفرة ويستغرق توفرها أكثر من ستة أشهر، وعند خروجي واليأس والاحباط يملؤني استوقفني أحدهم وقال لي: اعطني ثلاثين ألفاً وانا سأخرجها خلال ثلاثة ايام وفعلا دفعت نصف المبلغ وبعد ثلاثة ايام اتصل بي وقال أحضر وخذ بطاقتك ولا تنسى بقية المبلغ، والسؤال هنا: من أين حضر بالكرت وهم قالوا إنه لا يتوفر؟.

واختتم: لقد وصلنا لحال يشيب لها الرأس، فإن سلمت من بطش وجشع السماسرة لا تسلم من الموظفين المرتشين وسوء معاملتهم، ولا حول ولا قوة الا بالله.

الامتناع عن الصرف

وفي مشهد آخر من مشاهد الفساد الذي يعاني منها المواطنون في مبنى الهجرة والجوازات ‘الامتناع عن صرف استمارات لتعبئة بيانات المتقدم لاستخراج بطاقة شخصية الا بدفع مبلغ من المال’ وهذه قصة رواها أحد المواطنين الذي يريد أن يستخرج لولده بطاقة شخصية، حيث قال: أتيت هذا الصباح لاستخراج بطاقة شخصية لولدي لكني قوبلت بالامتناع من قبل الموظف المختص الذي رفض صرف استمارة بيانات لتقييد الولد ولا اعلم ما السبب.

وتابع “عندما تعالت أصواتنا في غرفة المعاملة تجمع المواطنون من الذين لديهم معاملات لتهدئة الوضع وتم اصطحابي وولدي إلى خارج الغرفة من أجل امتصاص الغضب، بعدها اقبل شخص يهمس في اذناي “” اعطيه فلوس بتتخارج الآن”.

واسترسل بالقول ” انا لم أكن اعلم أن موظفي الدولة وصلت بهم الوقاحة إلى هذا الحد والا لكنت اعطيته، انا قررت أن اعامل لولدي بنفسي هروبا من السماسرة الذين يستغلون حاجة الناس ويطلبون مبالغ كبيرة وسط تهديد بأن المعاملات تأخذ وقت اطول إذا تم معاملتها من قبل الشخص نفسه على العكس في حالة أن تم معاملتها من قبل السماسرة لكني وجدت بعض الموظفين سماسرة بأنفسهم.

واختتم حديثه “إذا هكذا واقع الحال فكيف النجاة”.

سنوات لإثبات الهوية

في أي دولة من دول العالم لا يحتاج استخراج بطاقة شخصية او جواز سفر او شهادة ميلاد وغيره الا للقليل من الساعات، بعكس ما يجري هنا فذلك قد يتطلب سنوات والسبب ابتزاز الناس وسرقتهم، وهنا تحكي إحدى النساء معاناتها منذ أكثر من سنة لأجل استخراج بطائق شخصية لبناتها المقدمات على التسجيل في الجامعة، حيث تقول: لي أكثر من سنة وانا اتابع من أجل استكمال اجراءات استخراج بطائق شخصية لبناتي، والآن يقولوا اعملي استبيان.

واضافت: “انا لا اريد الاستبيان، فقط اريد بطائق بناتي، ولكن يقولوا لا، فهم يريدون استبياناً عشان يخرجوا فلوس للمرة الثانية”.

واختتمت كلامها بالقول : (في ناس هنا يشتغلوا سماسرة مستغلين الفساد في مصلحة الهجرة والجوازات، والمسألة هنا فوضى واكل فلوس).

ومن جانبها قالت مواطنة أخرى: عندما ذهب زوجي لتجديد بطاقته الشخصية قيل له (لا يوجد بطائق الآن وإذا مستعجل ادفع مبلغ ثلاثين ألف بنخرجها لك خلال اسبوع).

واضافت: إذا كان لا يوجد فعلا بطائق، هؤلاء الاشخاص الذين يعملون سماسرة من أين يأتون بالبطائق والأوراق التي يتحجج موظفو المصلحة بعدم توافرها لديهم.

وفي صورة أخرى للمعاناة وقفنا بالقرب من إحدى النساء الواقفات على عتبات أبواب الهجرة والجوازات، وهي من أبناء المحافظات الشمالية، تقول إنها قادمة من أجل استخراج جوازي سفر لها ولابنها الصغير ذي الأعوام الأربعة والمصاب بأحد الامراض وهو يحتاج للسفر للخارج من أجل العلاج، الا أنهم منعوا من السفر بسبب أن جوازاتهم من إصدار صنعاء وبعهد المليشيات الحوثية، ولهذا السبب تتعثر معاملاتهم، فواقع الحال في ذلك المبنى لا يفرق بين أحد سواء كان من أبناء الجنوب أو الشمال الا أن مثل هؤلاء البسطاء تكون معاناتهم أكبر لأنهم لا يملكون النقود الكافية للدفع والا لسارت أمورهم بأحسن حال، على حد تعبيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى